على الرغم من التطمينات التي يبثها المسؤولون في الأجهزة الأمنية إلا أن "التصعيد البارد" هو حقيقة قائمة، بسبب رفع حالة التأهب في سوريا وإسرائيل تحسباً لأي صدام محتمل إذا ما شن حزب الله عملية انتقامية لمقتل عماد مغنيه. هذا التوتر لا يؤدي بالضرورة الى صدام عسكري فعلي خاصة إذا نجحت إجراءات الردع الإسرائيلية. كذلك يُحتمل أن تستغل سوريا الأزمة لإحكام قبضتها على لبنان. منذ اغتيال عماد مغنيه في دمشق بدأت جولة جديدة من "التصعيد البارد" على الجبهة الشمالية الشرقية، والحديث يدور حول وضع يتوقع فيه كلا الطرفين أن يتحول الى "تصعيد ساخن" قريباً. ولذلك يراقب كل طرف بدقة تحركات الآخر على الأرض، ويسعى الطرفان الى ردع بعضهما بواسطة رسائل تحذيرية واضحة ومعينة. إن ما يحدث الآن ليس الجولة الأولى في لعبة "البوكر" الاستراتيجية هذه مع سوريا، حزب الله وإيران، فقد كانت الجولة السابقة في صيف 2007قبل ان تقصف إسرائيل المنشأة "النووية" السورية التي بناها الرئيس الأسد في دير الزور بحسب تقارير أجنبية. منذ ذلك الوقت بدأت سوريا تشتبه في نية إسرائيل المبادرة لشن هجوم واسع عليها لمسح العار الذي لحق بها في حرب لبنان الثانية. إسرائيل من جانبها خشيت أن تقوم سوريا برد فوري على هذه العملية ومحاكاة "انتصار" حزب الله. ولكن بعد هذه الضربة اقتنعت سوريا على ما يبدو بأنه ليس لدى إسرائيل أي نوايا لتوجيه المزيد من الضربات، ولذلك قررت عدم الرد فور وقوع الضربة. وعندما رأى المسؤولون في تل أبيب أن السوريين خفضوا حالة التأهب لديهم اتخذت إسرائيل خطوات مشابهة في المقابل في الجولان. وهنا بدأت جولة "التصعيد البارد". جولة التوتر الحالية زاد من حدتها التقديرات الإسرائيلية التي تشير الى أن حزب الله وبمساعدة من إيران وسوريا يخطط للقيام بعملية "إرهابية" كبيرة أو توجيه ضربة صاروخية مكثفة انتقاماً لاغتيال مغنيه، ويُحتمل أيضاً أن تنضم سوريا لحزب الله وترد لإسرائيل الضربة السابقة في دير الزور. ويبدو أن سوريا وإيران وحزب الله يعلمون أن عملية انتقامية كهذه تقترب شيئاً فشيئاً ويخشون أن ترد إسرائيل عليها كما أوضحت في السابق "بضربة قوية". ويبدو أن الطرف الثاني فسر هذا المصطلح بان إسرائيل ستشن هجوماً جوياً وبرياً كبيراً في الأراضي اللبنانية والسورية تحسن إسرائيل من خلالها صورة قوتها الرادعة و "تغلق حساب" على المهانة في حرب لبنان. وبحسب وسائل الإعلام العربية بدأت سوريا قبل حوالي أسبوعين بتركيز قواتها على الحدود اللبنانية وتحديداً في منطقة البقعه، كذلك قامت بنشر منظومات الصواريخ المضادة للطائرات واستدعت جنود الاحتياط. حزب الله من جانبه يسعى لإنهاء استعداداته لصد مدرعات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان ونشر منظومات الصواريخ بشكل كثيف شمال الليطاني. كل ذلك يدل عملياً على اقتراب عملية الانتقام لمقتل مغنيه. وفي الجانب الآخر يخشون من ضربة استباقية يوجهها الجيش الإسرائيلي لردعهم عن القيام بأي عملية عسكرية. الجيش الإسرائيلي اتخذ من جانبه عدداً من الخطوات على الأرض لتصديق رسائل التحذير التي بثها كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة لدمشقوبيروت والتي وصل معظمها بشكل سري. حزب الله و حماس دعم متبادل من الواضح أن اغتيال مغنيه ومحاولة حزب الله و إيران الانتقام لذلك هو السبب الرئيسي والمباشر للتوتر المتزايد في شمال البلاد. لكن يوجد سبب واحد على الأقل آخر والذي من أجله يتوجب على إسرائيل أن تبقى متيقظة وإصبعها على الزناد. في شعبة الاستخبارات التابعة للجيش يرون أنه إذا اضطر الجيش للدخول الى غزة وشن عملية واسعة هناك فستأمر إيران حزب الله بمساعدة حماس بإطلاق الصواريخ، ويجب على إسرائيل أن تكون مستعدة عسكرياً ونفسياً لوضع كهذا أو عكسه وهو الوضع الذي تبادر فيه حركة حماس الى إطلاق صواريخ "غراد" والقسام بطلب من إيران لمساعدة حزب الله. في طهران يرون على ما يبدو أنه في الحالتين سيضطر الجيش الإسرائيلي الى توزيع قواته على الجبهتين. ونتيجة لذلك ستتكبد إسرائيل الكثير من الخسائر وتعيش أزمات اقتصادية ونفسية تضطرها الى تقصير عملياتها العسكرية على الجبهتين الأمر الذي سيمنح "المعارضة" نجاحاً آخر. الاحتمال الثالث الذي يجب أخذه في الحسبان هو أن يستغل السوريون عملية الانتقام لمغنيه والرد الإسرائيلي عليها لاستعادة السيطرة على لبنان وتتويج حزب الله كقوة سياسية مؤثرة في هذا البلد.أن فرض السيطرة على لبنان التي فقدتها قبل حوالي سنتين يُعتبر من أهم المصالح القومية لسوريا أهم حتى من الجولان. وقد حاولت دمشق إعادة تأثيرها في لبنان عن طريق انتخاب رئيس موالٍ لها غير أنها فشلت في ذلك، والآن هي مستعدة لانتخاب رئيس محايد، وتؤيد مع ذلك مطلب نصر الله بتغيير نسب القوى السياسية في البرلمان في بيروت ليصبح في مقدوره رفض القرارات ومن بينها ما يتعلق بعقد محكمة دولية لقتلة الحريري. حتى الآن فشلت سوريا وحزب الله في إيجاد حل لصالحهم للطريق المسدود في لبنان. هذا الفشل يعزل سوريا ويحولها الى دولة مجذومة في المنطقة وفي العالم كله. وكما حدث في القمة العربية الأخيرة في دمشق فقد أدار الجميع ظهره لها ومنهم بوش ، ساركوزي ومبارك. والآن تتزايد الإشارات حول احتمال شن عملية انتقامية في محاولة منها لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان لمصلحتها وإعادة تواجدها العسكري هناك، ولكن كيف ؟ الجواب سهل جداً، إذا قام حزب الله بعملية عسكرية سيؤدي ذلك الى رد إسرائيلي قوي، لبنان سيسمح لسوريا بالقول انها هبت لمساعدته وأيضاً الدفاع عن نفسها. والعلامة الأبرز لهذه النية المحتملة هو حشد قوات كبيرة من الجيش السوري على حدود البقاع اللبناني بحسب مصادر رفيعة في دمشق. وليس واضحاً ما إذا كانت القوة السورية المنتشرة في هذه المنطقة ليست بضع فرق عسكرية أو قوة بسيطة، غير أن نفس المصادر الرفيعة عملت في الأسبوعين الماضيين على إقناع مراسلين صحفيين عرب كبار بوجود انتشار للقوات والهدف من نشرها هو الدفاع عن سوريا ولبنان ضد أي غزو إسرائيلي. هذا ادعاء غريب، إذا كانت دمشق تخشى عملية إسرائيلية ضدها فالمفروض أن تنشر قواتها في الجولان. يجب أن ننتبه الى أن القوات السورية نُشرت على حدود البقاع اللبناني حصن حزب الله. وإذا صدرت الأوامر للجيش السوري بدخول لبنان فسيكون العبور من هذه النقطة مريحاً ولن يواجه الجيش أية معارضة لبنانية هنا. حتى إسرائيل ستُعيد النظر قبل أية عملية عسكرية ضد سوريا في ظل وضع كهذا إذا لم يبادر السوريون بالهجوم على قوات الجيش الإسرائيلي. على أية حال فان مجرد نشر دمشق معلومات عن هذه التعزيزات العسكرية يدل على نية سوريا العمل في لبنان، لذلك فان هذه التعزيزات تشكل تهديداً للساحة اللبنانية ومن شأنها أن تؤثر على المعارضة التي تخشى من الألاعيب واليد الطويلة لسوريا. وختاماً يجب أن ننبه الى أنه ليس أي "تصعيد بارد" يؤدي بالضرورة الى صدام عسكري حقيقي لكن قوة "التصعيد الساخن" تزداد. لذلك يجب على الجيش أن يعيد انتشاره ويجب أيضاً على جهاز المخابرات الإسرائيلي أن يكون متيقظاً ويحذر من أي خطأ في تقدير نوايا الطرف الثاني. (يديعوت احرونوت)