انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد منتصف ليلة الخميس 1429/3/12ه الداعية الشيخ الدكتور عائض بن فدغوش الحارثي، كبير المرشدين الدينيين في القوات المسلحة، عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً، وقد صلى عليه ما يقارب عشرة آلاف مصل تبع معظمهم جنازته حتى اكتظت بهم المقبرة، ولم يستطع بعض أقاربه مشاهدته أو المشاركة في دفنه من تزاحم الناس ورغبتهم في وداع الشيخ عن قرب. وكان على رأس المصلين عليه - رحمه الله - سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وعدد من كبار العلماء والمشايخ، وفي ذلك ما يدل على مكانته العلمية وتقدير العلماء ومحبة الناس له حياً وميتاً - رحمه الله - . تميز الشيخ ابن فدغوش بتبحره في مجال الفقه والتوحيد والمذاهب والتيارات الفكرية، وتتدرج في مجال الدعوة في القوات المسلحة حتي أصبح كبير المرشدين الدينيين ومديراً لمكتب الدراسات والبحوث الإسلامية في الشؤون الدينية بالوزارة. وكان له اسهامات كثيرة في الاجابة عن الاستفسارات والأسئلة الفقهية لمنسوبي الوزارة وكان يقدم كثيراً من المحاضرات الدينية والارشادية ويشرف على تنظيم النشاطات الدعوية داخل وخارج القوات المسلحة، ويقدم محاضرات في الأمن الفكري للمبتعثين والدارسين في الخارج، إضافة إلى أنه كان إماماً لمسجد سكن قيادة القوات البحرية، وكانت له دروس أسبوعية في الفقه والعقيدة والتفسير. وبالرغم من العدد الكبير الذي حضر الصلاة على الميت وتشييع جنازة الشيخ، إلاّ ان البعض وصفه بأنه من الدعاة المغمورين حيث أنه لم ينل نصيباً من البروز الإعلامي، وربما يعود ذلك إلى عزوف الشيخ - رحمه الله - عن الأعمال الإعلامية مع انشغاله بالعمل الدعوي الميداني، وإعطاء جل وقته واهتمامه لخدمة القطاع الذي يعمل به، حيث كان منهمكاً في عمله، قريباً من منسوبي القوات المسلحة في مختلف الأوقات، ومتواصلاً معهم عن كثب في جميع نشاطاتهم واحتياجاتهم الدينية والإرشادية. إضافة إلى ذلك، فقد قضى وقتاً غير قليل في حل المشاكل بين الناس واصلاح ذات البين بين بعض القبائل والأسر، فقد سافر مراراً إلى مدن بعيدة ليتوسط بين هذا وذاك ويقرب وجهات النظر في عائلة وأخرى، ويسهم في حل خلافات كبيرة كادت تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، وكان ينجح في ذلك، بفضل الله ثم بما وهبه من براعة وحنكة وحب للخير. كما كان لا يبخل مطلقاً في بذل جاهه لكل من يحتاجه، ويسعى في قضاء مصالح الناس بقدرما يستطيع.ومن ذلك أنه نصح أحد المتشددين برفق ولين حتى بدّل رأيه واقتنع. رحل الشيخ عائض عن الدنيا دون مقدمات وبهدوء تام لدرجة ان زملاءه وجيرانه وحتى أهله لم يصدقوا أنه رحل. فقد غادر مقر عمله يوم الأربعاء مفعماً بالنشاط والحيوية، وحضر مناسبة اجتماعية في مساء ذلك اليوم وكان محدثاً ومرشداً كعادته، ولم يظهر عليه أنه يجتمع بالناس للمرة الأخيرة، وأنه سيغادرهم دون رجعة. عاد إلى منزله لتظهر عليه أعراض مرضية بسيطة لا توحي باقتراب الأجل، ونقل بعدها إلى مستوصف قريب، ولم يمكث به طويلاً فجاءه مؤذن المسجد على عجل لينظر ما أصاب الشيخ، فطلب منه الشيخ ان ينزع كمامة الأكسجين، ثم طلب منه وضعه على جانبه الأيمن ليقوم بالتهليل والتشهد قبل ان تخرج روحه بهدوء، وقد رشح جبينه بالعرق. ترك الشيخ وراءه أسرة كبيرة تتكون من 15ابناً وبنتاً بعد ان كان عائلهم الوحيد بعد الله. رحمه الله الشيخ ابن فدغوش رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجبر مصاب أهله وأسرته ومحبيه.(إنا لله وإنا إليه راجعون). @ جامعة الملك سعود