محافظة لا يتجاوز سكانها خمسة آلاف نسمة يشطرها الوادي إلى حيين أو في النهايات الجبلية أو على حافة النفود الرملي. يقول الخبر عنها إنها تستعد لمهرجان الزهور الأسبوع المقبل مع بداية شهر أبريل.. قد نهتم بمثل هذه الأخبار أو لا نهتم وقد يتطوع البعض ليقول نحن أبناء الصحراء والحرات السوداء والشواطئ المالحة لا نهتم بالزهور ولغة الورود والفل والياسمين.. زهورنا البهارات الحارة: الزنجبيل والدارسين والكمون واليانسون والسنوت والصعوط والعصفر والسميدا وحبة الهيل. آباؤنا الذين عاشوا على البهارات اللاذعة ومن تفوح منه رائحة الهيل والقهوة يقال له (ريحة الرجال) ومن يشم (حجر المرة) وورقة العكبر و(الطين المنقوع) وعلكة اللبان الذكر ليتطبب من: (الشمم) والعين والنفس والسحر.. آباؤنا وأجدادنا حبيسو بيئة ما تنبته الأرض البكر لسنا بالضرورة مرتبطين بثقافتهم ومفردات بيئتهم حتى نجد أنفسنا مجبرين على البهارات التي تمثل علاجات وعطورات ذلك الزمن. الآن ولد جيل له لغة الزهور والفل والياسمين والنسرين يعطر ملابسه وجسده برائحة الفراولة والكاكاو والرمان والخوخ والجوافة الفواحة والمشمش ودوار الشمس والفانيلا.. وكأنه يطبق أفلام الخسمينات المصرية عندما يفتح المشهد على (الجناين) الخديوية والملكية وبجوارها من يتمايل: الورد الجميل (شوف الزهور وتعلم - شوف الزهور يا ابن آدم وتعلم).. كذلك صباحات الطائف والورد الطائفي يتفتح متورداً تعبق روائحه مدرجات جبال السروات وطلال مداح يضحك بنصف ابتسامة ويقول: يا ورد ما أحلى جمالك بين الورود، أو يقول: أنتم سكنتوا بحارتنا ما ندري - إلا ريحك طلع مع جملة الأزهار. أو تلك الصورة العاطفية التي تتناغم مع زمن تسيح فيه المشاعر عندما تقول إحدى الأصوات المصرية ع اليادي (يا قلوب مدارية) ياما جرح الورد أيادي حتى الجانينية. نحتاج في هذا الزمن الذي تثاقل علينا إلى معرض موسمي ودائم للزهور في الشوارع والممرات ومداخل المراكز التجارية نحتاج إلى الرومانسية كيف كان طعمها ومذاقها والورود المعطر وشاهي الياسمين وطعم المكسرات وضحكات الآخرين نحتاج إلى الجماليات والبيوت المتعاشقة ورنين دواخلنا وعتق ذكرياتنا وإلى أشخاص قادرين على استطالة أعصابنا المشدودة وآخرين مسترخين نتقاطع معهم بالنكات والضحكات وتبادل المحبة. حتى لا يفهم البعض أن الزمن والسن الذي يسرقنا هو باعث الكلمات وإنما لهدم سياج القسوة الاجتماعية والعاطفية التي أحطنا بها أنفسنا حتى أصبحنا ننظر إلى الزهرة والوردة بالشك وأن وراءها ما وراءها أصبحت الوردة هي الأكمة التي تخفي وراءها الويلات.. دعونا في أبريل نتهادى الحب ونغرق في روائح الأرض وهي تتنفس ونتصالح مع البيئة ونتجرد من الأنانية لأنه ليس ما فوق الأرض سوانا وأننا نحن الأوحدون.