انتهت مسابقة "أفلام من الإمارات" في دورتها السابعة بنتائج جد غريبة ومحيرة، حين اضطرت لجنة التحكيم الخاصة بالسيناريو إلى حجب الجائزة أمام 8نصوص رشحت للمسابقة بدعوى أنها لا ترقى إلى مستوى صناعة فيلم سينمائي بكل ما تعنيه الكلمة، إلى جانب حجب 10جوائز أخرى لعدم توفر المواصفات الفنية والتقنية فيها. وأمام هذا الوضع الشاذ في تاريخ مهرجانات ومسابقات السينما - إذ أنه لأول مرة حسب علمي تحجب 11جائزة من تظاهرة سينمائية في تاريخ الفن السابع - ارتأيت أنه من الواجب فتح حوار جدي حول هذا الوضع الكارثي، خصوصاً في حالة المخرجين السعوديين الشباب، الذين رحلوا إلى الإمارات بعدد كبير من الأفلام والمتمنيات الكبيرة، ورجعوا خائبين غير مصدقين لما جرى خصوصاً أن المشاركة كانت عريضة والحصيلة كانت أقصر مما تصوروا. وإذا كان هناك من أسباب لهذه الهزيمة السينمائية القاسية خليجياً، فستكون مرتبطة أساساً بعوامل مباشرة وغير مباشرة. وسأبدأ بالأسباب غير المباشرة التي سألخصها في كون القائمين على مسابقة "أفلام من الإمارات" لم يضعوا أية مواصفات تقنية وفنية وأدبية لدخول المسابقة في كل أقسامها، وهذا قد يكون تصوراً مقبولاً في بداية المسابقة، ولكن حين تُطل هذه التظاهرة على عامها السابع فمن غير المعقول أن تستقبل كل عمل فني يرسل إليها تحت ذريعة تشجيع البراعم السينمائية الخليجية، إذ أن جل المشاركين لا يخافون الإقصاء من السياحة في الإمارات مادامت أفلامهم لن تمر تحت أعين لجنة تحكيمية صارمة، تنتقي بكثير من التدقيق المشاركات قبل عرضها للجمهور ولمتتبعي الفن السابع. أما الأسباب المباشرة فهي كثيرة، وسأحاول سرد بعضها وسأبدأ بأزمة الخيال السينمائي المتواضع الذي يسيطر على معظم المخرجين الشباب السعوديين، فخلال عرض بعض الأعمال السينمائية في الرياض تبيّن للكثير بأن جل الأفلام المعروضة كانت تعاني من اختلالات متباينة سواء على مستوى السيناريو المتفكك أو على مستوى الفكرة غير الواضحة في ذهن المخرج، أو الإخراج الذي كان خالياً من أية لمحة فنية متميزة. ومن الطبيعي أن الذي شاهد تلك التجارب المجروحة سيعرف أنه من المستحيل أن تتألق هذه المشاركات دولياً أو حتى عربياً وخليجياً. وقد حاولنا حينها أن نجامل بعض التجارب واضعين في حسباننا حداثة التجارب المشاركة، والرغبة في تشجيع المشهد السينمائي في السعودية، ولكن مع توالي الأيام ورغبة بعض المخرجين في ممارسة هواية الإخراج المتسرع، تأكدت بشكل كبير من أن الكثير من المخرجين الشباب المحليين يصنعون أفلامهم في غرف مظلمة غير مكترثين بكل تلك الأصوات المتعالية من خلف نوافذهم الموصدة بإحكام. وقد شاهدت بعضاً من تلك الأعمال التي سافرت إلى الإمارات من غير تأشيرة وتنبأت حينها بهذه الخيبة الكبيرة. وللحقيقة فإن السينما مازالت غريبة في السعودية، والكلام عنها يعد بمثابة "تابو" لم تقو أية جهة رسمية أو مدنية ثقافية من اختراقه، والإنصات إلى هموم وأحزان أهله، فالكل يتذمر من عدم تواجد دعم نفسي ومادي لهواة هذا الفن الغريب. وأمام هذا الصمت الرسمي الواضح تبرز لامبالاة الإعلام المرئي في القنوات التلفزية السعودية التي تعج بالبرامج الرياضية والاقتصادية وغيرها ولا تسجل أي اهتمام بهذا المخاض السينمائي الذي بدأ يخبو وينقص بعد أن تكلم عنه الكل وهجره الجميع. ومن المفارقات العجيبة هي أن الجائزة الوحيدة في أفلام الإمارات، وهي جائزة أفضل فيلم روائي خليجي "عام" ذهبت إلى موسى جعفر آل ثنيان عن فيلمه "بقايا طعام" من مدينة القطيف كما أن الكثير من المسابقات السينمائية المبرمجة في المستقبل القريب تأتي من مدن مثل الدمام وحائل أما العاصمة الرياض فغائبة تماماً عن هذه التظاهرات. الحقيقة المرة هو أن مستقبل السينما محلياً يكاد يكون غامضاً وغير مفهوم، ومستقبل المخرجين الشباب سيعرف انتكاسة خطيرة في القريب العاجل إذا لم تتدخل الجهات المعنية المدنية والرسمية قصد تسطير برنامج فني وأدبي لتنظيم هؤلاء الهواة الضائعين، الذين يصنعون أفلامهم بعيداً عن أي تكوين أوتدريب سينمائي فعال، بل في غياب حتى ناد سينمائي يمكن أن يغني تجربتهم السينمائية من خلال ما يعرض من الأفلام المنتقاة والورشات التكوينية مثل ما هو موجود في بعض البلدان الخليجية. ومن المفارقات المحيرة هو أنه في ظل الأزمة التي يعيشها جميع الهواة السينمائيين في السعودية تطلع علينا قناة روتانا السينمائية بخبر مفاده أنها تعد العدة لتصوير فيلم "مناحي" بطاقم أغلبه من خارج المملكة تماماً مثل الذي يؤسس ورشة أو شركة ويقوم باستقدام العمالة الأجنبية من أجل تسييره وتدبيره "والفاهم يفهم".