@@ بعيداً عن "قواعد" لغة الأرقام.. وإغراءاتها وشروطها.. التي لا أفهم فيها.. لأن أمثالي.. تدرجت مداركهم وفق "قاعدة" ببغائية تبدأ بضرورة حفظ قصائد مثل: "قم للمعلم وفه التبجيلا" و"لا تهمل المطالعة يوماً ولا المراجعة".. الأمر الذي جعل "لغة الأرقام" مفصلة من ينجو منها في الحساب وجدول ضربة وخزعبلاته.. يجدها تطيح به بشرك "مادة" الجبر التي تكون في انتظاره في المرحلة الثانوية.. مضافاً إليها تعقيدات مادة اللغة الإنجليزية التي جعلت معظم أبناء جيلي يسارعون للالتحاق بركب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأبو القاسم الشابي.. ومن كل هذه المعمة كان نصيبي الشهادة الابتدائية غير أن ل "لغة الأرقام" في مطلع حياتنا.. لم تكن تخلو من بعض الإثارة. ففي الأعياد.. وبعد عد حصيلة العيديات قرب ظهر يوم العيد.. وقبل الذهاب ل "برحة القزاز" لاستئجار حمير مناسبة.. أو دراجات.. أو حتى "دبابات" لمن هم أكبر منا سناً.. لم تكن تدهشنا تلك "الحسبة" الغريبة.. التي تخرج بها.. بل وربما لم نفكر فيها - فيما بعد - إلا كنوع من الطرفة.. فنحن جميعاً نعرف أن "الريال" يساوي " 20قرشا".. لكن عندما تسير مع واحد في جيبه ريال "ورق" وفي جيبك " 19قرش" تشعر أنك تملك مالاً أكثر منه.. والغريب أنك تجده يحمل نفس الشعور أيضاً.. ولا عجب فأنت تسير وجيبك ثقيل يشنشن ب "الهلل" وهو لا يكاد يحمل شيئاً. خاصة إذا عرفنا أن شنشنة الهلل تبدأ من "ربع قرش" ثم نصف القرش.. وتتدرج حتى تصل ل "قمة" الهلال ال "أربع قروش". وهي من المعدن الذي سكت به "توزن" وتملأ العين.. فأنت لن تستطيع "الركض" مثلاً إلا بعد أن تشد على جيبك باحكام يحسدك عليه صاحبك خالي الوفاض إلا من "ورقة". والغريب أننا كنا نسخر من غباء أخوتنا الصغار.. فعندما يجدك أحدهم عند دكان "بن خالص" الذي يعد الدكان المتخصص في اللعب والحلويات.. ويطلب منك مالاً.. وتود أن تعبث معه.. تضع في إحدى يديك "قرشين" قطعة واحدة.. وفي الأخرى "قرش" أرباع أو أنصاف وتمدهما إليه.. فما يكون منه إلا أن يسرع بالتقاط الأكثر عدداً. نامت هذه المشاهد في مخيلتي وكاد يطويها النسيان.. إلى أن انتقلت للعيش في مدينة "جازان" لمدة عام أو عامين.. وهناك لفت انتباهي شحاذ غريب.. فهو لا يكاد يشحذ.. لكنه يتجول في محور السوق وفي يده "دفتر وقلم".. فإذا نقدته شيئاً استوقفك.. وكتب شيئاً على الورقة وقال: - أعطيها ل "الطبيقي"..!! و"الطبيقي" من أشهر وجهاء المدينة وأكثرهم شراء.. وعندما تقرأ الورقة.. أنت وحظك.. فقد تجده كتب ل "الطبيقي" قائلاً: - أعط حاملها مليون ريال. وقد يكتب أكثر.. حسب مزاجه لأن كرمه قد يصل إلى حد أن يطلب منحك مئة مليون أو أكثر ذلك الشحاذ اثار مخيلتي بشكل أو بآخر.. فكتبت قصة - لم تنشر حتى الآن - وبصرف النظر عن المكان فإنها تستعيد نفس الموقف.. وتبالغ قليلاً في وصف بؤس الرجل وتضع حوله "هالة" غرائبية.. لكن البطل بعد أن يقرأ "أو الصرف" ويجده بمبلغ عشرة ملايين ريال.. يقرر أن يذهب للتاجر المقصود.. غير مبال برد الفعل مهما كان نوعه.. ولدهشته يجد "التاجر" مرتبكاً شاعراً بالأذعان.. وبعد ترحاب وتودد.. يتعذر بعدم وجود المبلغ كاملاً في خزنته ويخرج دفتر "شيكاته" ويكتب له المبلغ.. ويقدمه وهو يطمئنه بأن الشيك مصدق وقابل للدفع في أي فرع من فروع "البنك" وتنتهي القصة عند هذا الحد. ما حال دوني ونشرها دخول حكاية الريال الورق وال " 19قرش" رغم أنهما حكايتان منفصلتان فقد خيل لي أن التأني وإعادة الكتابة مع وضع اعتبارات "الهلل" في الحسبان قد ينتج عنه "نص" مختلف أو أفضل أو أكثر غرائبية.. وقد "تنحاس" وتصبح أسوأ من المسلسلات المكسيكية. وإن كانت زوجتي تؤكد على أن لا شيء يمكن أن ينقذ القصة ويجعلها تنفذ بجلدها سوى نشرها كما هي دون أي "تخبيص".. أما أنا فقلت: ما دمنا نكتب "ضد القصة" فسيبقى الحال على ما هو عليه إلى أن نكتب مع القصة لا ضدها. نعود ل "قواعد" الأرقام.. ولا علاقة لنا بما يقابلها في حروف "الهجاء".. ولا حتى في "الكاش مني" ولا حتى في "مكائن الصراف الآلي" والآلات الحاسبة.. أو حتى حساب "صكة البلوت".. لكن من خلال محاولة تأمل أبعادها من خلال الانفاق المنزلي المحدود.. لأن "قاعدة" التدبير المنزلي بالنسبة لعائلتنا - على الأقل - تتراوح بين "انفقنا" على "كذا".. و"سوف ننفق" على "كذا".. فإذا وجدنا أن نتائج حساباتنا تقول إننا "انفقنا" على "كيت وكيت" نصبح مديونين لآخر الشهر أما إذا قلنا سوف "ننفق" على وعلى وعلى.. فيتحسن المزاج.. أما على المستوى العام فيما يتعلق بحالنا وأحوال بلدنا.. فكل ما عليك هو أن تراقب ردة فعلك وأنت تسمع أن الدولة سبق وأن انفقت على كذا وكذا مبلغ كذا.. وردة فعلك تجاه من يقول سوف تنفق الدولة كذا وكذا.. وكذا.. لإنشاء كذا وكذا وكذا..