تصريحات استثنائية أطلقها مسؤولو وزارة الصحة خلال الأسبوع الفائت منها تصريحان لافتان لوزير الصحة الدكتور حمد المانع. في تصريحه الأول خلال ندوة صحافية بجريدة "الرياض" قال معاليه: "مستشفى التخصصي يملك أكبر ميزانية في العالم فيه 600سرير كل سرير 3ملايين، بينما ميزانية وزارة الصحة 150ألف ريال أقصى شيء فكيف يتطلب مني الجودة وقلة الأخطاء؟ وهل هناك مقارنة؟". جاء ذلك في سياق تبريره للمستوى المتواضع لخدمات مستشفيات الوزارة مقارنة بالمستوى الرفيع للخدمات الطبية في مستشفى الملك فيصل التخصصي. في تصريحه الثاني المنشور غداة افتتاحه مؤتمر جمعية الصدر قال معاليه "وزارة الصحة قادرة على إجراء عمليات فصل التوائم السيامية ممثلة في مدينة الملك فهد الطبية"!! مع الإشارة إلى ان مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني هي التي تخصصت في تلك العمليات النادرة الحدوث. في البدء يعلم معاليه يقيناً ان خدمات وزارته لا تواكب طموحات القيادة ولا تلبي احتياجات المواطنين للرعاية الصحية الأولية هنا تحدث المفارقات! في الوقت الذي ينتظر المواطنون ان تقوم وزارة الصحة عبر مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات العامة التابعة لها بتوفير الخدمات الصحية الأساسية يتحدث مسؤولها الأول عن إمكانية فصل السياميين وكأن النساء يلدن كل يوم توائم سيامية بينما كل العمليات التي أجريت في بلادنا خلال عقدين لم تصل إلى عشرين حالة معظمها لمرضى من خارج المملكة. هل القضية هنا تنافس مع قطاع صحي حكومي آخر؟! إذا كان كذلك هل تتحول مؤسساتنا الصحية إلي استعراض قدرات استثنائية ربما لا تصدق حقيقة بعضها بينما تتجاهل وتهمل مهامها ومسؤولياتها الأساسية المناطة بها في الجانب الآخر! هناك أمر يلفت الانتباه عودة إلى التصريح الأول وزير الصحة هو رئيس مجلس إدارة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ومع ذلك وقع في خطأ معلوماتي جوهري حين ذكر ان عدد أسرة المستشفى التخصصي 600سرير بينما تقرير المستشفى المنشور للعام 2006م يقول بأن إجمالي الأسرة 852سريراً مما يعني فارق 252سريراً وهو فارق كبير سواء من حيث الكلفة المالية للسرير أو من حيث استيعاب أعداد المرضى. أيضاً معاليه لم يذكر لنا كيف توصل إلى ان كلفة السرير في المستشفى التخصصي تبلغ 3ملايين ريال خاصة وأنه اخطأ في عدد الطاقة الاستيعابية!! لكن حديثه عن ان ميزانية المستشفى التخصصي "الأعلى عالمياً" تجعلنا نتوقف ونطالب معاليه بالتوضيح وهل ذلك يعني ان ميزانية "التخصصي" أعلى من ميزانية مستشفى جون هوبكنز في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً! لكن في المقابل هناك من المختصين في الجانب الصحي يقولون بأن العبرة في حساب الكلفة التشغيلية ليس في عدد الأسرة بل في نوعية الخدمة وطبيعة الحالة المرضية وعدد حالات التنويم وبالتالي لا يمكن مقارنة عملية زائدة دودية أو جراحة لاستئصال اللوزتين بعمليات القلب المفتوح والصمامات أو عمليات زراعة الأعضاء كالقلب والكبد ونخاع العظم والكلى والبنكرياس والرئة أو علاج مرضى الأورام، ما يعني ان طبيعة الخدمة ونوعيتها مختلفة بين مستشفيات وزارة الصحة والمستشفى التخصصي ما يسقط تبرير التباين المالي رغم ان ميزانية الوزارة المعلنة تجاوزت 25ملياراً. إجابات الوزير في ندوة جريدة "الرياض" وتصريحه في مؤتمر الصدر ولد امتعاضاً لدى عشرات القراء الذين عبروا عن استيائهم من خدمات وزارة الصحة ممثلة بالمستشفيات التابعة لها من خلال تعليقاتهم الالكترونية على موقع الجريدة بل ان التصريح "السيامي" اعتبر مستفزاً كونه بلا هدف في وقت تعد الخدمات الصحية الأساسية غير مكتمل نطاقها لمعظم المواطنين فضلاً عن تردي نوعيتها. من جانبي احتفيت كثيراً بالندوة التي عقدتها جريدة "الرياض" كونها سمحت بالنقاش الحر المباشر لمسؤولي وزارة الصحة مع صحفيي الجريدة فكان ذلك كشفاً للمهتمين والمتابعين للشأن الصحي. من تلك الكشوفات المهمة على الأقل بالنسبة لي ما قاله الدكتور منصور الحواسي وكيل الوزارة للشؤون التنفيذية في معرض حديثه عن كيفية سير النظام الصحي المثالي حيث ذكر ما نصه "حاول الكنديون ان يستقبلوا جميع الحالات في مستشفياتهم التخصصية مما أدى إلى انهيار المستشفيات مالياً وعلمياً في كندا". من جهتي اعتبر هذه معلومة استثنائية لم أسمع بها من قبل في وقت كنت اقرأ عن مزايا النظام الصحي الكندي قبل ان يصحح معلوماتي الدكتور الحواسي! لكن الدكتور الحواسي لم يتوقف عند هذه المفاجأة في الندوة الصحافية بل أدهشنا بقوله "فيما يتعلق بنقص الأسرة فأقول وبكل شفافية انه ليس هناك نقص في الأسرة (خاصة) في مدينة الرياض وإنما المواطن لا يرغب إلاّ مستشفى معين". لكن الجملة الأكثر استفزازاً من سعادته كانت حين قال "يبدو ان الوضع الاجتماعي لدينا أصبح يفرض تطلعات لا داعي لها فمثلاً هناك حالة ولادة طبيعية يمكن ان تتم في أقرب مستشفى (وربما في البيت) إلاّ ان الأم تريد نوعاً من البرستيج". إذا تجاوزنا الأولى والثانية هل يمكن ان نتجاوز الثالثة من ثاني مسؤول في وزارة الصحة؟! كيف تريد لنسائنا ان يلدن في المنازل؟! ما أعلمه يا دكتور ويعلمه غيري ان الارشادات الصحية تطلب من الأم الحامل بل من تريد الحمل والانجاب ان تتابع دورياً وتلد تحت إشراف طبي إلاّ إذا ثبت خطأ هذا القول كما ثبت لديك "فشل النظام الصحي الكندي وانهياره"! ما يتردد عن إجازة الولادة المنزلية رغم تحفظ الهيئات الطبية الدولية هو في حالة الحمل متدني الخطورة غير ان ذلك يشترط التخطيط له من قبل الطبيب المشرف على الحالة ووجود "القابلة المحترفة المجازة" إضافة إلى توفر وسيلة النقل إلى المستشفى في الحال عند الحاجة إلى ذلك، فهل يمكن ان توفر وزارة الصحة قابلات محترفات يشرفن على ولادة نسائنا في منازلنا؟! يبدو ان هذه من الاستراتيجيات الجديدة لوزارة الصحة بعد ان أدخلوا في استراتيجيتهم من قبل تصنيع الدواء الذي هو من مهمة شركات الأدوية!