في إحدى جلسات مجلس الشورى الساخنة لمراجعة تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط، أشار مسئول رفيع المستوى في الوزارة المعنية إلى أن وزارة المالية لم تفرج بعد (بعد أكثر من أربع سنوات على الأمر السامي الكريم بفصل الاقتصاد عن المالية وإلحاقه بوزارة التخطيط لتكون وزارة للاقتصاد والتخطيط) عن وكالة الشئون الاقتصادية لتنقلها بوظائفها وكوادرها البشرية إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط الأمر الذي جعل الوزارة وحتى تاريخه تسير برجل واحدة فقط هي التخطيط دون تنفيذ التوجيه الحكومي القاضي بارتباط الجانب الاقتصادي بها إدراكا من المتخصصين أن الاقتصاد يبنى على التخطيط.. تقرير الوزارة جاء ناقصا بسبب هذا الموضوع نقصا فادحا أدى إلى امتعاض أعضاء مجلس الشورى!! وفي الجلسة نفسها نفى المسئول في وزارة الاقتصاد والتخطيط علم الوزارة عن المدن الاقتصادية التي أعلنت عنها الهيئة العامة للاستثمار مشيرا إلى أنهم في الوزارة لم يعرفوا عن تلك المدن إلا من خلال الإعلام المحلي عندما يعلن عن مدينة جديدة هنا أو هناك!! وفي لقاء لمسئولي تحرير صحيفة "الرياض" وعدد من كتابها طرح هذا الموضوع على محافظ الهيئة العامة للاستثمار فأجاب بأن المدن الاقتصادية تأتي تفعيلا لبنود الخطط الخمسية بالمملكة وأن الهيئة العامة للاستثمار لا تلتزم بحرفية الخطط وإنما بالفهم العام لها والعمل على تحقيق مصلحة وطنية عليا. وقبل عدة أيام التقى وزير المياه والكهرباء مع وزير التربية والتعليم وطرح تطلع الوزارة لقيام وزارة التربية والتعليم بتقديم الامتحانات الدراسية في التعليم العام أسبوعين مشيرا لما يمكن أن يحققه ذلك من مصلحة وطنية شاملة تتمثل في توفير مليارات الريالات وتقلل من مشاكل زيادة الأحمال الكهربائية.. التربية وعدت الكهرباء بدراسة الموضوع (وأتمنى أن تتم الدراسة ويصدر القرار المناسب قبل نهاية العام الدراسي الحالي لتتحقق الفائدة!!). ويشير محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني إلى أنّ المؤسسة تعاني الكثير من الصعوبات لإنجاز خططها وطموحاتها الوطنية يتمثل أبرزها في توفير الوظائف التي تحتاجها والمواقع لمقار كلياتها ومراكزها التدريبية، وغيرها كثير، وكأنّه يتمنى أن تتعاون مع مؤسسته القطاعات الحكومية الأخرى المختلفة لتحقيق مصلحة وطنية مشتركة. وفي العديد من الاجتماعات واللقاءات التي يشترك فيها ممثلين للقطاعات الحكومية نلاحظ بشكل واضح تماماً تعارض (وتناقض) التوجهات نظراً لأنها في الكثير منها لا تركز على الهم الوطني العام وإنما تسعى لمعالجة وطرح رؤى تختص بالقطاع نفسه ومن خلال أفق ضيق في كثير من الأحيان. وفي نظري أننا يجب أن نقر ونعترف بأنّ لدينا خللاً كبيراً في مسألة التعاون والتنسيق المشترك و(التآزر) من أجل مصلحة عليا وهم أكبر هو الوطن، ولعلّ مما يؤكد ما أقول هذه الظواهر السلبية التي تحدث هنا وهناك.. يوماً بعد آخر.. في العديد من الجوانب، فمن قضايا اقتصادية إلى قضايا وهموم اجتماعية، ومعاناة مع نسبة البطالة، وعدم معالجتها بالطريقة التي تجتثها من بداياتها.. وأذكر أنّ موضوع التنسيق بين الجامعات ووزارة التخطيط ووزارة الخدمة المدنية من أجل تحديد احتياجات الوطن وسوق العمل في السنوات القادمة من الكوادر البشرية السعودية المؤهلة كان موضوعاً يطرح قبل أكثر من عشرين عاماً، إلاّ أنّه لم يتم حتى الآن الاتفاق على معالجات وطنية عليا له، فما الذي يجعل الجامعات تدفع بهؤلاء الخريجين والخريجات في تخصصات غصّ بها الوطن، ولا يمكن أن يجد الخريج فيها فرصة وظيفية قادمة، بينما تنشط وفود التعاقد التي ترتحل هنا وهناك لتجلب من دول العالم المختلفة (المتردية والنطيحة) من الكوادر البشرية التي نكتشف بين وقت وآخر تزوير شهاداتها ومؤهلاتها الأكاديمية. موضوع العمالة.. موضوع البطالة.. قضايا السعودة.. مخرجات التعليم العام والعالي.. حاجات الوطن والسوق من الكوادر البشرية.. تطوير بيئات الاستثمار.. التنمية.. التوعية الوطنية والاجتماعية.. وأشياء لا حصر لها تحتاج منا بالفعل إلى تفكير وطني شامل يغلب مصلحة الوطن العليا على الهموم والقضايا ذات الأفق المحدود والضيق.. والرأي لكم.