على الرغم من نضوج مفهوم المسؤولية الاجتماعية في العالم الغربي خلال السنوات القليلة الماضية، وظهور الكثير من الأدبيات المنشورة على صفحات المجلات العلمية والمهنية؛ إلا أن العلاقة المباشرة بين تطبيق مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وأثرها على التنمية المستدامة لا تزال مبهمة المعالم وغير واضحة للعيان حتى الآن. هذا الأمر يتضح بشكل أكبر حينما نقوم بدراسة وملاحظة توجهات مفهوم المسؤولية الاجتماعية في الشركات السعودية بشكل خاص والشركات العربية بشكل عام، التي لا تزال القيادات التنفيذية فيها تؤمن بأن المسؤولية الاجتماعية عبارة عن التبرعات المالية والعينية التي تقدمها الشركة لبعض فئات المجتمع! دون التفكير في الجوانب الأخرى والرئيسة للمسؤولية الاجتماعية وخصوصًا أثرها على التنمية المستدامة في المجتمعات النامية، رغم وأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية كما يعرفها البنك الدولي تنطلق من كونها التزاما حقيقيا من أصحاب النشاطات التجارية في الإسهام في التنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمع المحلي بهدف تحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد ويخدم التنمية في آن واحد. من هذا المنطلق برزت العديد من المشاريع والأفكار التي تهدف إلى تأطير هذا المفهوم وربطه بالعديد من المعايير الأخلاقية للنشاط الاقتصادي وكذلك مؤشرات التنمية المستدامة في المجتمع المحلي والمجتمعات التي تنشط فيها الشركات العابر للقارات. إلا أننا في المملكة ورغم حداثة المفهوم لم نصل إلى مرحلة الربط مع برامج التنمية المستدامة. بل لانزال نروح تلك الخطوات البسيطة التي أقدمت عليها بعض الشركات بمبادرات فردية منها، دون تحول المفهوم إلى أسلوب عمل جماعي للشركات الكبرى بالمملكة. من جهة أخرى تشير الدراسات العلمية إلى وجود فجوة بين المفهوم العلمي للمسؤولية الاجتماعية والبرامج التطبيقية لتلك المسؤولية، نتيجية لعدة عوامل داخلية وخارجية، منها ضبابية المفهوم وغياب الدعم الحكومي، بالإضافة غياب وجود مؤشرات نستطيع من خلال قياس نتائج وآثار برامج المسؤولية الاجتماعية، وأحد هذه المؤشرات هي ما يطلق عليها اختصارا (GRI) وهو نظام تقارير دورية يهدف إلى قياس مدى التزام الشركات بمؤشرات المسؤولية الاجتماعية، وقد شكّل إطلاقه منذ فترة معقولة في الشركات الأوروبية قفزة نوعية في جودة التقارير الدورية المقدمة إلى حملة أسهم الشركة ، كما أضحى أحد البنود دائمة التواجد في التقارير السنوية للشركات وخصوصًا حينما تكون الشركة ذات ملكية عامة ومدرجة في سوق الأسهم، هذا ويعتمد المؤشر على اختيار تطبيق أحد ثلاثة مستويات من الإلتزام الأخلاقي المتدرج، يمكن للشركة من خلالها اختيار عدد من المؤشرات القابلة للقياس، خصوصًا في مجال عملها ، حيث تختلف المؤشرات بين صناعة الدواء وصناعة الطائرات على سبيل المثال، ولكن يمكننا أن نشر إلى بعض تلك المؤشرات المتنوعة على أربعة محاور رئيسية: محور الكفاءة الاقتصادية : الذي يعتمد على عدد من المؤشرات المختلفة ، منها: كمية التبرعات النقدية والمالية ( التي ليس لها علاقة مباشرة ببرامج التسويق أو الترويج) الإتزام الضريبي ( الزكاة والدخل بالمملكة ) مميزات منسوبي الشركة، الاستثمار في المجتمع ودعم البنية التحتية للبلاد ،وغيرها. محور الموارد البشرية (العمال). الذي يعتمد على حساب عدد ساعات العمل اليومي والسنوي والساعات المفقوة (الإجازات ، العطل ونحوها) وكذلك معدل التدريب لكل قسم متخصص ولكل موظف على حدة، معدل إصابات العمل. محور حماية البيئة : والذي يعتبر أهم تلك المؤشرات، نظرا لأثره المباشر على مناحي التنمية المستدمة من خلال عدم استهلال الموادر الطبيعة أو اتلافها وحرمنا الأجيال القادمة منها، ومن تلك المؤشرات: معدل استهلاك موارد الطاقة (الكهرباء، الغا. وغيرهما) معدل استهلاك المياه، معدل استخدام الطاقة المتجددة، الغازات الدفيئة، معدل إعادة استخدام المواد المدورة. محور الجودة الصناعية: مثل مدى الالتزام بالمعايير القياسية الدولية، توكيد الجودة، البرامج المصاحبة. محور حقوق الإنسان: معايير العمل في المنشأة وكذلك بالمنشآت الموردة كذلك ، بهدف منع استخدام الأطفال في ظروف العمل السيئة ونحو ذلك جدير بالذكر أن توفر العديد من المؤشرات وبرامج التقارير عن المسؤولية الاجتماعية تقدمها الشركات الاستشارية في هذا المجال، ولكننا بحاجة ماسة إلى مؤشر يعبر بشكل حقيقي وواضح عن بيئتنا المحلية، لذا لابد من تطوير تلك المؤشرات بما يتلائم وبيئتنا المحلية، وظروف واحتياجات الصناعة الوطنية والقوانين داخل المملكة، الأمر الذي يجعل تلك المؤشرات بعد تطويرها تظهر بشكل معبر ومناسب عن مدى التزام قطاعات الأعمال بالمملكة بتحقيق هدف المسؤولية الاجتماعية الرئيس وهو تحقيق تنمية مستدمة في المجتمع المحلي. والحقيقة نحن بحاجة إلى تبني إحدى الجهات الرائدة فكرة إطلاق مؤشر وطني للمسؤولية الاجتماعية تشارك في اعداد معاييره كل القطاعات ذات العلاقة بالتنمية في البلاد من قطاعات حكومية وخاصة ومؤسسات المجتمع المدني. ومؤخرا خطت الهيئة العامة للاستثمار بالمملكة خطوة رائعة في سبيل تعميم ثقافة المسؤولية الاجتماعية حينما طرحت مبادرة استثنائية وهي "مؤشر وجائزة المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية"، والذي يهدف إلى تشجيع الشركات على اعتماد أفضل الممارسات التي تسهم في إثراء القيمة البشرية والاجتماعية بالإضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية للمملكة حسب بيان الهيئة. وهذه الخطوة تعد خطوة أول على طريق نشر المفهوم وتعميق مبادئه لدى منشآت الأعمال بالمملكة، والأمل معقود على الأجيال القادمة من القيادات التنفيذية في شركاتنا السعودية على الأخذ بزمام المبادراة واعتماد مؤشر سعودي للمسؤولية الاجتماعية. @ عضو فريق المسؤولية الاجتماعية مؤسسة سلطان الخيرية، المشرف على المسؤولية الاجتماعية شركة الجزيرة للصناعات الدوائية