انتهى معرض الرياض الدولي للكتاب قبل أيام مخلفا وراءه كالعادة عاصفة من الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة، لكن هذا ليس مقام الحديث عنها. المعرض كحدث شد له الرحال كثيرون من خارج الرياض رغبة في الحصول على خير جليس لا يجالس إلا في ما ندر. من شاهد المعرض وتابع التعليقات التي رصدها رواده خاصة تلك التعليقات الصادرة في غير وسائل الإعلام المرخصة مثل المدونات ومنتديات الحوار وما شابههما يلاحظ إن المعرض حظي عموما بقبول ورضا معقولين. هناك من يقول بأن الرواج الذي لاقاه الكتاب في الدورتين الماضيتين للمعرض ليس رواجا حقيقيا بمعنى إن الدافع لم يكن حب المعرفة والاطلاع بقدر ما كان مجرد سعي للبحث عن الممنوع ورغبة دفينة في اقتناء الكتاب لا تنعكس على قراءته والاستفادة منه. في مجتمع استهلاكي كمجتمعنا، هذه الفرضية ليست مستبعدة على الإطلاق. حال الكتاب في بلادنا كما في باقي الأقطار العربية لا تسر، فمن حيث المحتوى قليلة هي الكتب التي تستحق الطباعة واقل منها ما يمكن اعتباره نفيسا. أما من حيث التداول والاقتناء فالحال أشد سوءاً بكثير. كتب قيمة لا تطبع أكثر من ثلاثة آلاف نسخة يظل المؤلف مشغولا في محاولة توزيعها لسنوات عدة. جمهور لا يقرأ ومؤلفون لا يطبعون ودور نشر لا تنشر إلا غثاً يلبي حاجات المراهقين. والذي يطالع الأرقام المخجلة لطباعة الكتب وترجمتها وتوزيعها في العالم العربي يعي مقدار الفجوة المعرفية المهولة التي تفصل منطقتنا عن باقي دول العالم. تصوّروا بلداً متوسطاً مثل أسبانيا ترجم في عام واحد من الكتب أكثر مما ترجم إلى العربية منذ خلقت!. أليس هذا شيئاً معيباً؟ في عراق صدام حسين كانت وزارة الثقافة العراقية تقوم عبر لجنة مشكلة من مختصين في شتى الفنون بدراسة وتقويم الكتب التي ترد إليها. وكانت عندما توصي بطبع أحد الكتب تمنح المؤلف مكافأة مقطوعة ويباع الكتاب بعد طباعته بسعر التكلفة فقط. بتلك الطريقة انتشر الكتاب العراقي والثقافة العراقية في شتى أنحاء الوطن العربي وازدهرت حركة البحث والتأليف والقراءة في العراق. هناك حاجة ماسة حقيقية لجهة تتولى النشر والتوزيع للمؤلفات السعودية خصوصا والعربية عموما. ما فشلت فيه البيروقراطية يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم وتنشط في المجال الثقافي. وهناك ممن شغف قلوبهم حب الكتاب من هم مستعدون للمساهمة بما يستطيعون. فقط أفسحوا لهم المجال وسترون.