أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) يوم الثلاثاء الماضي 11مارس الجاري عن إجراءات جديدة بالتنسيق مع بنوك مركزية أخرى مثل بنك كندى وانجلترا والبنك المركزي الأوربي والبنك الوطني السويسري بشأن خطوات للتعامل مع الضغوط في أسواق المال العالمية لمعالجة مشاكل نقص السيولة. فبموجب هذه الإجراءات سيقدم البنك المركزي الأمريكي ما يصل إلى 200مليار دولار من أذون الخزانة كقروض لكبار المتعاملين لمدة لا تزيد على 28يوماً. وذلك في مقابل نطاق أوسع من الأوراق المالية كضمان لقروضه المشار إليها. وهذا قد يعني أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي مستعد، بالإضافة إلى السندات الحكومية، لقبول ضمانات قانونية أخرى مثل الأوراق التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو سندات أخرى مقبولة لديه كرهن مقابل القروض التي سوف يمن بها على المقترضين منه. ومن المعلوم أن البنك المركزي يقدم على خطوات من هذا النوع عادة عندما تلحق بالبنوك خسائر فادحة غير متوقعة أو عند زيادة طارئة في الطلب على القروض أو عندما تعجز البنوك عن تحصيل أرصدة مالية كبيرة من مصادر أخرى في سوق النقد. ومثلما نعلم فإن أزمة الرهن العقاري قد تسببت في خسائر غير متوقعة للقطاع البنكي في أمريكا وفي العديد من البلدان التي تم تسويق مشتقات الرهن العقاري عليها، حيث تتفاوت التقديرات في تحديد حجم الخسائر الناجمة عن تلك الأزمة. إن مبادرة مجلس الاحتياطي الاتحادي على التوسع في برنامج الإقراض من خلال السوق المفتوحة جاءت في الوقت المناسب لخفض الشح المتفاقم في السيولة. فالجهات التي سوف تحصل على مبلغ ال 200مليار دولار سوف تتمكن من التوسع في الإنفاق وزيادة حجم الطلب الكلي جراء العمل المضاعف بمقدار أكبر من ال 200مليار دولار. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هذه الإجراءات تعتبر كافية لتلبية حاجة الاقتصاد الأمريكي للسيولة وهل سيتجاوب العرض الكلي مع هذه الإجراءات ويعاود النمو من جديد ؟ أن الإجابة عن تلك التساؤلات، ربما، لا زالت مبكرة. فتفاعل الاقتصاد الأمريكي مع الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً السلطات المالية والنقدية قد لا يحدث إلا في النصف الثاني من العام أو أوائل العام القادم. وذلك على عكس أسواق الصرف التي جاءت ردة فعلها فورية. فقد تدهور سعر صرف الدولار، بعد إعلان مجلس الاحتياطي الاتحادي عن إجراءاته، إلى مستويات لم يشهد لها مثيلاً. ففي اليابان انخفض سعر صرف الدولار إلى ما دون ال 100ين. أما في أوربا فإن سعر صرف اليورو مقابل الدولار قد ارتفع إلى مستويات قياسية جديدة. ففي يوم الجمعة الماضي كان اليورو يصرف عند 1.5688دولار. كذلك فقد حلق الذهب الأصفر والأسود إلى مستويات 1000دولار للأوقية و 110دولارات للبرميل على التوالي. وردة فعل المصارف اليابانية والأوروبية وارتفاع الذهب بأنواعه مفهومة. فالتوسع الأمريكي في الإقراض، عندما يكون سعر الفائدة 3% ومعدل التضخم العام في أمريكا 4%، يعني بالنسبة للمصارف والأسواق العالمية بمثابة توزيع أموال مجانية. فسعر الفائدة الحقيقي يحسب بعد خصم علاوة التضخم. ولذلك فإن توسع مجلس الاحتياطي الاتحادي في عملية الإقراض بمقدار 200مليار دولار في ظل انخفاض سعر الفائدة وارتفاع معدل التضخم فسِّر من قبل الأسواق العالمية على أنه زيادة في العرض النقدي غير المغطى. والنقود الرخيصة غير المغطاة بالخدمات والسلع لا قيمة لها تذكر.