كانت وزارة العمل تفتخر أن نسبة البطالة تبلغ 9% منذ ثلاث سنوات والآن تجاوزت تلك النسبة 11% وداخل هذه النسبة آلاف الشباب والشابات المقهورين والمحبطين والذين يرون شبح البطالة يحرمهم من أبسط حقوق الحياة.. الزواج، قدرة الشراء.. ومع القهر والحسرة تسوء النفس، وبدأت تظهر بعض الجرائم الغريبة التي تنم عن فراغ وتشوه نفسي ومع نسبة البطالة ترتفع نسبة العنوسة وتُضيق قدرة كل بيت وكأن البطالة وباء مثل الجدري يخيف كل بيت. منذ أن استلمت الادارة الحالية وزارة العمل بدأت بفرض قوانين صارمة على المؤسسات والأسر وطرح فرص عمل دخلها لا يتناسب مع تكاليف الحياة بل زادت الهمّ هماً فضاقت الشركات واختنقت قدرتها على الإنتاج (لقلة العمال السعوديين ومنع الاستقدام) فزاد الطلب على العرض وبذلك زادت الأسعار وهذا أحد عوامل التضخم خصوصاً في أعمال البناء، وكان دائماً جواب مسؤولي وزارة العمل عن نتائج هذه القرارات هو "موال" طويل وعريض مليء بالشعارات والمُثل وحديث إنشائي لا ينتهي. بعد ذلك بدأت ألاحظ منذ فترة بسيطة تغير سلوك وزارة العمل فمثلاً تراجعت وخفّضت نسبة السعودة الإلزامية على بعض القطاعات لكي تتمكن الشركات من العودة والرفع من إنتاجها وتغطية احتياجات السوق وكذلك تعاونت الوزارة مع بعض الشركات لتأسيس معاهد تخرج كوادر تتطابق مع احتياجاتها مثل معهد البلاستيك الذي أسسته شركة خاصة. جميل هذا التغير لكنه لايزال بطيئاً وسرعة الحلول أقل من سرعة زيادة البطالة وكل عام يتخرج جيل جديد يبحث عن فرص جديدة. المشكلة في نظري أن وزارة العمل تطرح نفسها بصورة الخصم للمؤسسات الاقتصادية وتمارس دور الإجبار على الشركات ولكن في العالم الغربي (أوروبا) عُولجت مشكلة البطالة عبر توسيع الاقتصاد وليس إرغامه. أي مراقبة القطاعات الأكثر نمواً (خلق وظائف) وتقوم الدولة بدعم وتوسيع هذه القطاعات في خططها وصفقاتها ومعرفة نسبة السيولة لكل قطاع (نسبة ظهور وظائف ونسبة إلغاء وظائف) وعدم الإرغام ولكن طرح مبدأ العرض والطلب في سوق العمل لتحدد الخيارات سواء الشركة أو المواطن وأخيراً تحديد أنواع الارتباط الممكنة للموظف مع مؤسسة بالنسبة لنوعية القطاع مثلاً نصف يوم أو يوم كامل أو العمل بنسبة العمولة وليس راتباً ثابتاً بالاضافة لفترة التدريب والسماح بعقد مؤقت لمدة ثلاثة شهور للتقييم ولا داعي لتخويف المؤسسات السعودية من الموظف السعودي بل طرح مبدأ العرض والطلب. أي تطويع الاقتصاد وتوسيعه لامتصاص البطالة عبر دراسة قطاعات الاقتصاد.. لقد كان من عوامل ازدهار مهنة الصحافة السعودية وأحد أسباب سعودتها 100% مرونتها وقبولها المحررين والرسامين بمدة نصف يوم (كموظف متعاون) ومن هؤلاء المتعاونين من أصبح من رؤساء التحرير ورموز الصحافة فيها فيما بعد مثل عبدالرحمن الراشد الذي كان محرراً متعاوناً في جريدة الجزيرة ثم تفرغ للمهنة. الكارثة أن نصف العاطلين عن العمل هم ممن لا يمتلكون شهادة جامعية أو حتى ثانوية وهذه تحتاج إلى إعادة بناء الموارد البشرية عبر تأهيل معاهد للتنسيق مع الشركات (فكراً ومالاً) لاحتياجاتها وإعادة النظر بالمعاهد الخاصة ومحاولة فرزها وتقييمها لأنها غير معترف بها. والحقيقة أن تأهيل الموارد البشرية تحتاج إلى وزارة أخرى للقيام بها وتكون هذه مهمتها فقط (كما يحدث في الصين الآن). ولكن وللأسف فإن موقف وزارة العمل هو الخصم للاقتصاد بدلاً من أن يطوع الاقتصاد وامكاناتها المحدودة لا تستطيع تلبية كل احتياجات إعادة بناء الموارد البشرية، وتكون سرعة نمو البطالة أسرع من حلول وزارة العمل. وكل مازادت النسبة زادت الحسرات والآهات. @ محلل مالي سعودي يعمل في بروكسل