ليس باستطاعته أن يعمل شيئاً إلا أن يكون شاعراً ومطرباً شعبياً، (حجاب بن نحيت) اسم لمع كثيراً في بداية الستينات الميلادية، ولأنه يعشق الفن منذ نعومة أظافره فقد ترك دياره وتوارى عن الأنظار ليختبر قدراته الصوتية مع أحد الرواد (عبدالله بن نصار) في (المقيبرة) وسط الرياض، ذلك الفتى الذهبي (حجاب) أطلق صوته بمساعدة أجهزة صوتية بسيطة، في عمر الخامسة عشرة، حيث قال لابن نصار بكلمات حاسمة: (أريد أن أكون مغنياً) فكان الاختبار الأول ثم المحاولة ومن ثم تسجيل أولى الاسطوانات وبعقد مالي كبير جعله في ذلك الوقت أغلى فنان سعودي حيث تقاضى (11) ألف ريال دفعة واحدة!. قصة حجاب بن نحيت غريبة مثيرة عندما قابل ابن نصار وقال (جربني صوتي جميل)، جاءه وهو يرتدي ثوباً مهلهلاً وحاله تبدو ضعيفة، ذلك أنه قطع مسافات طويلة من القصيم إلى الرياض استغرقت قرابة الثلاثة أيام، ولأن المجتمع في ذلك الوقت كان بسيطاً لا يعترف إلا بالأنفس وما فيها ولا يكترث بالمظاهر الخداعة، فقد قبله عبدالله بن نصار وآمن بموهبته فمنحه الفرصة وأعطاه عقداً كان يحلم به نجوم الغناء في ذلك الوقت، وقد أثمر هذا التعاون بين الاثنين (بن نصار) و(حجاب) عن بناء اللهجة الشعبية المدنية وامتزاجها مع لهجة البادية لتكون خليطاً مميزاً من روائع الشعر. في العام 1964م أصدر حجاب أول اسطواناته بمشاركة العازف الموسيقي عبدالله بن نصار، وقد ضمت الأغنية الشائعة الصيت (يا بوي أنا) والتي لها قصة أخرى يرويها الزمن بما فيها من الالتزام والصبر والإصرار على التقاليد والعشق والاحترام للرموز، ليست كما هي الحال في هذه الأيام!. يابوي أنا طال انتظاري ومليت صبري نفذ ما باقي إلا قليله صبرت يابوي وتحريت ما ابطيت والخالق ارجي رحمته واشتكيله ما عاد ينفع دوى لو تداويت والامر لله مامع العبد حيله حبيت بنت العم حبيت حبيت من قبل ما تربط على الراس شيله القصيدة بنيت على الاتصال والحس بين الاثنين حجاب وعبدالله بن نصار، كما هي الذكريات الجميلة، فقد عاش هذا الثنائي المميز في غرفة واحدة، وبالتالي كان الاتصال مباشراً، بين تلميذ متحمس ومعلم قدير عرف كعضو في أول فرقة موسيقية في نجد، لكن هناك إشارة في هذه الأغنية فعبد الله بن نصار هو من قام بكتابة الفكرة وطلب من حجاب أن يكملها لقدرته على الصياغة الشعرية رغم صغر سنه ثم عاد بن نصار ليقوم بتلحينها ومن ثم غنائها قبل أن يغنيها حجاب نفسه، ولكنها عرفت عند الجمهور بصوت حجاب رغم احتفاظ إذاعة الرياض بأسطوانة بن نصار!. حجاب لم يكن فناناً وشاعراً فحسب بل كان ذا فكر تجاري ملفت، حيث اشترى حينذاك قطعة أرض في شرق الرياض، أصبحت فيما بعد من أهم المعالم الاقتصادية في العاصمة، ورغم نجاحاته التجارية إلا أنه لم يهجر الفن الشعبي وليستفيد من صوته لمدة تجاوزت العشر سنوات إلى أن اعتزل في منتصف السبعينات الميلادية. ولتبقى ذكرى هذه الغرفة الصغيرة التي جمعت الثنائي والتي لا يتجاوز طولها ( 3أمتار) حاضرة في ذاكرة الفن الشعبي لأنها كانت المكان الذي صنعت فيه أعمال رسخت في ذاكرة الجمهور وأصبحت فيما بعد من كلاسيكيات الفن الشعبي التي لا تنسى. بينت لك شكواي وأبديت ما خفيت وأبيك تجهدلي بأية وسيله لا تحسبني داله يوم غنيت أضحك مع العالم وروحي عليله ذكره على بالي إيلا أقبلت واقفيت أرعى خياله كل يوم وليله بأس الحياة اللي بها ماتهنيت أعيش عمر مارضيت بحصيلة الله على جمع ثلاث لها صيت الدين والدنيا وبنت جميلة حجاب تعوّد على الأغنية بالصيغة التي يراها، لذا انتفض مع ابن نصار في أغنية (يابوي) فكانت قراءة فعلية للواقع تتقاطع مع المثل القائل (الماء والخضرة والوجه الحسن)، بينما نطقت الأيدلوجية والاهتمام والولاء (الدين والدنيا وبنت جميلة)، يتذكر تلك الشقوق أو (الفتوق) في ثوبه، لكن ما لبث وتبدل الحال إلى حال، (44عاماً) كلمة ونغم تراثي حمل في طياته العديد من الإشارات النغمية والحسية وأجراس دالة على الجمل اللحنية لتستمر الأغنية في عظمتها، سليمان بن حاذور وبن سلوم أخوان وغيرهم كانوا قاعدة لابن نصار وحجاب بن نحيت، فكان استمرار الثنائي يأتي في صالح الأغنية النجدية التي افتقدت وقتها الدعم الاجتماعي ولكن بعد ظهور حجاب كان الإعجاب به يستمر إلى أن أعتزل الفن. (يابوي أنا) ذهبية من تاريخ نجد الغنائي تقلّدت صوتَ حجاب وأنغامَ بن نصار..