في حديث لي مع نخبة من الخبراء الدوليين خلال المؤتمر العالمي للأعمال والأخلاق والروحانيات التي نظمته المنظمة العالمية للقيم الإنسانية التابعة لهيئة الأممالمتحدة في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل خلال ديسمبر الماضي، لم تكن الصورة مشرقة عن واقع الشركات العربية وعلاقاتها مع مواردها البشرية. فالمشكلة تكمن بحسب أحد المشاركين بالعلاقة الهشة التي تجمع الشركات العربية بموظفيها غير انها تتجلى وفقاً لرأي آخر بانعدام الثقة وتزايد الصراع بين الإدارات ببعضها قبل النزول إلى القواعد الوظيفية التنفيذية مما يخلق تلك الفوضى التي تضعف الانتاجية وتعوق تطور هذه الشركات. وجاء رأي ثالث بأن الشركات العربية تعمل باجتهاد في مجال تدريب مواردها البشرية بيد انها لا تزال مقصرة عن بلوغ درجة كافية من الشفافية والمصداقية بين الإدارات العليا والفئات العاملة. ولتلخيص الآراء الثلاثة التي ذكرناها وبحسب رأيي المتواضع والذي يرجع إلى خبرة طويلة في مجال التنمية الإدارية والبشرية العربية، تهتم الشركات العربية بالتنمية البشرية من خلال التركيز على الحاجيات المادية للقوى العاملة وهي قليلة الاكتراث للجانب الإنساني لها. ولا يمكن أن تواصل الشركات العربية إغفالها للجانب الإنساني في إدارتها لمواردها البشرية إذا أرادت المنافسة على الصعيد الدولي والاقليمي. لم تكن أفكار عن برامج التغيير المؤسسي ومناهج بناء ثقافة الشركات وإعادة توجيهها بالشكل الصحيح وبناء وتكوين الشخصية القيادية والفكر القيادي تلقى آذاناً صاغية لبضع سنوات خلت، أما الآن فقد بدأ الاهتمام يتزايد بهذه القضايا ولكن من دون التعامل معها بخصوصية الإنسان العربي وخصوصية المكان والزمان ولكن ذلك يدل على شرف المحاولة للتقدم الإداري في المملكة. والجدير بالانتباه انه لا تزال الشركات العربية تتكبد خسائر كبيرة لغياب القيم الإنسانية في عملياتها من حيث الانتاجية الضعيفة لموظفيها؛ انعدام روح فريق العمل؛ وتزعزع الولاء الوظيفي؛ فضلاَ عن هشاشة الأداء الإداري. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: كيف يمكن تعميم مفاهيم القيم الإنسانية على كافة قطاعات الأعمال العربية؛ بغية تطوير وتفعيل سياسات الموارد البشرية؟ وبالتطبيق الصحيح والصائب لهذا المفهوم، سوف تتعزز مشاعر الانتماء والولاء والرضا الوظيفي، الأمر الذي يشرع الباب واسعاً أمام الشركات العربية لمنافسة مثيلاتها الدولية، بل والتفوق عليها إذا توافرت الإرادة والحرفية. وخصوصاً لو علمنا أن عمليات نشر القيم الإنسانية في الأعمال تعمل على تهيئة مناخ العمل الإبداعي الخصب للعاملين، وتتيح لهم فرص الارتقاء الوظيفي، مما يعني تطوير الأداء المؤسسي إلى أعلى درجاته ومن أبسط أشكالها توفير الحوافز المادية والمعنوية التي تستنفر عطاءاتهم الانتاجية والإبداعية. ولابد أن تصبح إدارة الموارد البشرية وفقاً للمعايير الإنسانية منهجاً ثابتاً تحكمه أعراف راسخة، بدلاً من اعتماده على ظرفية الموقف أو مزاجية المديرين وارتجالاتهم. وتعمل السلوكيات الإنسانية في العمل على إنماء روح الثقة التي تعطي الشركات المصداقية والاستقرار، وتضمن لها معدلات أداء عال وموقع أفضل على خارطة الأعمال الدولية. ومع عمليات دمج القيم الإنسانية في الأنظمة الإدارية سننجح بتطوير الأداء المؤسساتي، ورفع التنافسية المهنية، وتحفيز الموارد البشرية في المؤسسات، من خلال تفعيل القدرات والمهارات والمواهب الكامنة في كل فرد، والعمل على الاستفادة القصوى منها، لما فيه مصلحة كل من الشركات والأفراد على حد سواء. وبعكس دول أخرى في العالم، تتمتع الدول العربية بغنى مادي كبير يسهل عملية ادخال القيم الإنسانية في الأنظمة الإدارية العربية. وان الإدارات قادرة على تدريب القوى العاملة على أخلاقيات العمل، وتعزيز الشفافية، فيما بينها لمواكبة التطويرات الملحوظة التي تحدث في العالم، وخصوصا في مجال تعميم مفاهيم حوكمة الشركات، وانتقال الشركات العائلية لتبني الأنظمة الإدارية الحديثة. ونعول على جيل الشباب أن يردم الهوة التي فصلت بيننا وبين الغرب في أنظمتنا الإدارية التي لا تزال جافة في العلاقة بين الإدارات العليا والفئات العمالية. فبالعلم والمثابرة بالعمل نستطيع أن ندخل القيم الإنسانية في شركاتنا العربية كضيف عزيز يلقى حسن الترحاب من الإدارات العليا لرغبتها القوية في العثور على موقع مميز فوق خارطة الأجندة العالمية والاستراتيجيات المستقبلية للعولمة.