كثيراً ما أصادف "الرجل العنكبوت" على شاشة التلفزيون في غرفة أطفالي.. فهو شخصية رئيسية تعتمد عليها قنوات "الكرتون" هذه الأيام لجذب الأطفال . ولأنني - مثل معظم الآباء - عاجز عن الوقوف أمام التلفزيون أكتفي بإخبارهم بحقيقة "عدم وجود شيء يدعى سوبرمان أو الوطواط أو الرجل العنكبوت".. ولكن يبدو أنني مؤخرا كررت هذه الجملة حتى الملل كون ابني الأصغر خرج عن صمته فجأة وقال بخبث: تعني أنهم لم يخترعوا أحذية تلتصق بالجدران!؟ أجبته: لا أعلم.. فقال بثقة: (يا أخي أفهم) الرجل العنكبوت إنسان مثلنا ولكنه يلبس أحذية تلتصق بالجدران!! ! ولا أخفي عليكم سارعت لإيقاف النقاش عند هذا الحد كون طريقته في التفكير لا تستحق التثبيط.. وفي حين أكملوا "هم" متابعة الحلقة علقت "أنا" في حالة تساؤل: فعلا لماذا لم يخترعوا أحذية من هذا النوع تتيح (لعمال الإنقاذ مثلا) المشي على الجدران والزحف على الأسقف!! .. ورغم أن السؤال يبدو طفوليا إلا أن هناك حشرات وزواحف كثيرة يمكنها السير على الجدران والأسقف بدون أن تسقط أرضا.. فالعنكبوت والبرص والنمل وبعض الديدان والحشرات يمكنها الوقوف على الجدران والسير رأسا على عقب (بل يمكن للبرص أو الوزغ الالتصاق بالسقف حتى 200ضعف وزنه بدون أن يسقط).. وهي تفعل ذلك بفضل أهداب دقيقة تتيح لها التشبث بالتضاريس المجهرية للأسطح - بطريقة لا تختلف عن الأشرطة الخيطية اللاصقة.. وأذكر أن شركة مرسيدس كلفت معهد ماكس بلانك بدراسة سر ثبات بعض الخنافس على الأسطح المتحركة بدون أن تسقط . وبناء عليه قام علماء المعهد بوضع خنفساء خضراء على قرص دائري (من النحاس المصقول) وأداروه بالتدريج.. ويفترض هنا أن تؤدي سرعة الدوران الى قذف الخنفساء عن القرص - ولكنها لم تتحرك من مكانها حتى وصلت سرعته الى 3000دورة في الدقيقة . وهذه القدرة الخارقة على الالتصاق يمكن تطبيقها مستقبلا لمنع السيارات من الانزلاق والخروج عن الطريق مهما بلغت سرعة دورانها أو زاوية انعطافها!! ... وطالما أمكن للخنفساء والبرص التشبث بقوة تساوي أضعاف وزنيهما فما المانع من ابتكار أحذية وقفازات تتيح لرجال الإطفاء وعمال الصيانة وفرق الإنقاذ تسلق الجدران والزحف على الأسقف عند الضرورة!! ؟؟ ... ورغم أنني لست مستعجلاً على ظهور هذا الاختراع (بقدر رجال الانقاذ مثلا) إلا أن الفكرة ذكرتني باختراعات تقنية كثيرة اعتمدت على تقليد ما يحدث في عالم الطبيعة.. فهناك مثلا عدم تبلل العناكب وبقائها جافة بعد خروجها من الماء.. وهناك جلد القرش وقدرته على تخفيف الاحتكاك بالماء بنسبة 50% (وهو ما أمكن الاستفادة منه لخفض قوة الاحتكاك على هياكل السفن والغواصات والطائرات وبدل الغوص).. وكان عالم الأحياء السويدي إنغو ريشنبرغ قد درس سر السحالي الصحراوية وقدرتها على الاحتكاك بالأسطح الصلبة دون أن تخدش جلدها أو تمزق بطنها.. أما رئيس شركة إيرباص فقال - خلال فيلم وثائقي عن الطائرة العملاقة A-380 إن علماء الشركة اضطروا لدراسة أجنحة النسور لتصميم أفضل شكل يحقق انسيابية عالية مع قوة رفع هائلة!! ... وكل هذه الأمثلة تثبت شرعية تساؤلنا بخصوص ابتكار أحذية عنكبوتية تتيح التشبث بالأسطح الرأسية والمقلوبة ... ومن يدري ... قد تكون موجودة هذه الأيام ولكن لا يعلم بوجودها بعض الآباء!!