لم يكن قادة الحزب الاشتراكي الإسباني يتوقعون في ثمانينات القرن الماضي أن يصل خوسيه لويس ثاباتيرو إلى رئاسة الوزراء في بلاده وأن يكون خامس رئيس حكومة من بين تلك التي تعاقبت على إسبانيا بعد إحلال الديموقراطية. بل لم يكن أحدهم يصدق أنه بإمكان ثاباتيرو أن يكون الزعيم الاشتراكي الأوروبي الأكثر شعبية بعد قرابة ربع قرن، فثاباتيرو ذو العينين الزرقاوين والابتسامة التي تذكر دوما بابتسامة الأطفال كان وقتها في العشرين من عمره. وكان قريبا في ذلك الوقت من أطروحات الحزب الشيوعي أكثر مما كان ملتزما بأطروحات الحزب الاشتراكي، ولكن ما فاجأ الجميع أن ثاباتيرو انخرط في صفوف الحزب الاشتراكي وكان مناضلا منضبطا يتولى في بداية انخراطه فيه المهام التي يعهد فيها عادة إلى الشبان ومنها أساسا حمل الملصقات الدعائية وتوزيعها أو وضعها في واجهة المحلات أو على الجدران. وشيئا فشيئا اكتشف الذين نشطوا معه في الحزب أن لديه طموحا كبيرا وأنه قادر من خلال ثقافته القانونية التي اكتسبها في الجامعة على أن يكون مجادلا صلبا. وقد أفاده ذلك كثيرا في قطع المسافات الرابطة بين القاعدة وهرم السلطة في الحزب الاشتراكي. وكان عليه أن يمسك زمام الأمور في الحزب من بين أيدي فيلته وهو ماتسنى له عام ألفين وذلك بالرغم من أنه كان ولا يزال يكن مودة خاصة لفيليبي غونزاليز أحد قادة الحزب الاشتراكي الإسباني وأول رئيس حكومة إسبانية في العهد الديموقراطي. وكان كثير من خصومه داخل الحزب وخارج الحزب يعتقدون في بداية مشواره مع السياسة كمسؤول عن قاطرة أحزاب المعارضة أنه طيع وفاتر فاتضح أنه يجيد الكر والفر دون اللجوء إلى لغة الخشب ودون الحمل على خصومه عبر الشتائم والسباب مثلما يفعل كثير من رجالات السياسة اليوم في البلدان الغربية وفي أطر أنظمة ديموقراطية. وبرغم أن ثاباتيرو كان قد توصل إلى قطع المسافات القائمة بين القاعدة والقمة الحزبية بسرعة غير معهودة فإنه لم يكن يعتقد أن الطريق المؤدي إلى قصر الحكومة في إسبانيا ممهد، لأنه كان مقتنعا في قرارة نفسه أن الحزب الاشتراكي لم يكن مهيأ بما فيه الكفاية إلى الرجوع إلى السلطة لا سيما وأن خوسيه ماريا أثنار رئيس الوزراء الإسباني السابق قد حقق انتصارات اقتصادية هامة وفرض نفسه كزعيم من زعماء اليمين الأوروبي برغم أنه كان مجرد موظف في الأصل. بيد أن القراءة التي سعى أثنار إلى منحها الاعتداءات الدامية التي حصلت في مدريد في الحادي عشر مارس عام ألفين وأربعة كانت بمثابة التحول الكبير في طريقة تعامل الناخبين مع أثنار في صناديق الاقتراع. وقد أوعز أثنار إلى وزرائه أن وراء هذه الاعتداءات الانفصاليين الباسك الذين حاولت كل الحكومات الإسبانية المتعاقبة على السلطة التفاوض معهم لحملهم على التخلي عن العنف ففشلت. ولكنه اتضح أن وراء اعتداءات مارس عام ألفين وأربعة جماعات إسلامية متطرفة. وكانت هذه الكذبة فرصة ثمينة سمحت للحزب الاشتراكي بالعودة إلى السلطة برئاسة ثاباتيرو هذه المرة. وصحيح أن ثاباتيرو قد أثبت من خلال السنوات الأربع الأخيرة أنه مصلح جيد وأنه شجاع باعتبار أن من القرارات الأولى التي اتخذها بعد تعيينه رئيسا للحكومة سحب القوات الإسبانية من العراق. وقد وفق خلال فترة حكمه الأولى في القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية هامة. ففي السنة الماضية مثلا بلغت نسبة نمو الاقتصاد الإسباني ثلاثة فاصل خمسة بالمائة. وسجلت موازنة الدولة فائضا قدره خمسة وعشرون مليار يورو. واستطاعت إسبانيا توفير مواطن عمل لثلاثة ملايين شخص طوال السنوات الأربع الأخيرة. كما أعاد ثاباتيررو الاعتبار إلى الذين كانوا ضحية الجنرال فرانكو. وقال خصومه إنه فعل ذلك لأن فرانكو كان وراء إعدام جده عام ستة وثلاثين من القرن الماضي لأنه كان ضابطا ينتمي إلى الجمهوريين. وكان ثاباتيرو يتمنى ألا تجري انتخابات مارس عام ألفين وثمانية على خلفية حداد مثلما حصل ذلك عام ألفين وأربعة بسبب الاعتداءات الإرهابية. ولكن اغتيال أحد المستشارين البلديين السابقين التابعين للحزب الاشتراكي عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة خيب هذا الأمل.