في ظل احتدام الغضب الإسلامي الذي فرضه السعي الحثيث الذي تقوم به دوائر ومنظمات مشبوهة غرضها تأجج صدام وصراع الحضارات والأديان وبالتالي الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والتي من خلالها وفي خضمها تستطيع الصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل تحقيق مكاسب وطموحات وأطماع لا تستطيع تحقيقها في ظل السلام والوئام العالميين، يظل العالم العربي والإسلامي لا يتمتع بوجود أجهزة إعلامية واقتصادية وسياسية وعلاقات عامة ذات كفاءة عالية وقدرة فائقة على الحراك والتأثير والرد في الوقت والمكان المناسبين. بينما المنظمات المشبوهة في الغرب ومراكز القوى الداعمة لها تملك عجلة وناصية الإعلام والعلاقات العامة مما يهيئ لها الاستحواذ على الرأي العام هناك خصوصاً في غياب صوت الخصم والضحية ووجهة نظره. وهذا يُمكن تلك القوى من تسويق ما تريد من مبررات وإثبات ما تقوله من تهم مما يهيئ لهم الحصول على موافقة تلك الشعوب المغيبة عن الحقيقة أو على الأقل ضمان صمتها وعدم اعتراضها. إن بعض الحكومات في الغرب ليس إلا منفذا لتوصيات وتوجهات قوى فاعلة ومتمكنة تملك المال والإعلام ووسائل الضغط المختلفة، وهي لا تمنح دعمها إلا لمن يوقع لها على بياض، لذلك فإن تلك القوى توصل من تشاء إلى مراكز اتخاذ القرار ومن خلال الديمقراطية التي لا يمكن أن ينجح المرشح من خلالها بدون المال والإعلام، وهذا يعني أن الذي يصل ليس الأكفأ وليس الأصلح على الإطلاق إلا ما شاء الله. لذلك فإن العمل على توعية الناخب الأساسي الذي هو ضحية الإعلام الموجه هناك تصبح من أهم وألزم أبجديات الدفاع عن النفس وهذا لا يمكن القيام به دون مد يد الصداقة والتعاون مع منظمات المجتمع المدني الفاعلة وغير الخاضعة للتوجهات الصهيونية هناك، ومن خلال الإعلام الفاعل والموجه إلى هناك. فإعلامهم يدخل جميع البيوت لدينا بل يصل إلى غرف نومنا ومعيشتنا، بينما الإعلام العربي والإسلامي لا يتعدى الحدود بل ربما يقصر عن التغطية المحلية. كما يقصر عن إيصال الرسالة ذات الفكرة الجيدة والمضمون المناسب إلى المواطن. نعم إن جس نبض الشارع العربي والإسلامي من قبلهم يتم التعامل معه من مواقع وزوايا ومهنيات مختلفة وذلك لتحديد مواطن الضعف فيه لكي يتم التعامل معها في الوقت المناسب والمكان المناسب. ولعلي هنا أشير إلى أن الحضارة الغربية وهي حضارة رأس مالية قدمت كثيراً من النتاج الحضاري المتميز للبشرية لكن يراد لها أن تنحرف عن مسارها الإنساني وتحويلها إلى حضارة مبنية على أساس الصراع من منطلق أن المكسب، والربح، ودوران عجلة الصناعة العسكرية يعتمد على استمرار واحتدام الصراع مع عدو موجود وإن لم يكن موجودا يتم خلقه. فتهديد الأعداء والاستعداد لصدهم هو المحفز للمنافسة والسباق، وخير شاهد على ذلك التنافس الحاد الذي كان قائماً بين الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي (سابقاً) وبعد انهيار المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي أصبح من الضرورة بمكان خلق عدو ورمز للعداء يبقي عجلة التحدي لديهم على الأقل أمام شعوبهم تدور. وحيث أن المهيمن على ذلك التوجه هي القوى الصهيونية واليمين المسيحي الصهيوني المتطرف لذلك فقد تم اختيار العرب بصورة خاصة والمسلمين بصورة عامة لدور العدو الذي يهدد حضارتهم وذلك لأنه يوجد في العالم الإسلامي والعالم العربي دول تملك الثروات ولديها معتقد يمثل فكراً متكاملاً يمكن أن يشكل مارداً بديلاً لحضارتهم أو منافساً لها لو تمكن ذلك المارد من الخروج من القمقم الذي وضعوه فيه. لذلك وجهوا بنادقهم الإعلامية والسياسية والاقتصادية وحتى العسكرية إليه. ولكي يبرروا ذلك الزحف الاستعماري أمام شعوبهم المسالمة والمختطفة بواسطة إعلامهم المهيمن تفتق ذهنهم عن حرب الإرهاب الذي هو عبارة عن ثوب واسع وفضفاض يتسع ويضيق حسب الطلب. ويساعدهم في ذلك فئة من أبناء الأمة باعت الذي هو خير بالذي هو أدنى. ودعموا حربهم على الإرهاب بدعوى جلب الديمقراطية الموجهة التي سوف تمكنهم من إيصال من يريدون إيصاله إلى موقع اتخاذ القرار من خلال الديمقراطية التي نرى نتائجها المزيفة والمخترقة في بعض الأقطار الأخرى. نعم إن الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير المسؤولة مطلبان جميلان إذا كانا يتمان بصورة نزيهة ويتم احترام نتائجهما. أما أن ترفض نتائج الانتخابات إذا أسفرت عن فوز من لا يريدون فوزه كما حدث عند فوز منظمة حماس في فلسطين وجبهة الإنقاذ في الجزائر أو فوز هوجو شافيز في فنزويلا والذين حاولوا الإطاحة به ثم إعادة الشعب على الاكتاف. كما أن الماضي يشهد على ازدواجية معاييرهم وخير شاهد على ذلك دعمهم للانقلاب الذي قاده بنوشية ضد الرئيس التشيلي المنتخب إيندي قبل ثلاثين عاماً اونيف، نعم كل ذلك يدل على أن ديمقراطيتهم ذات وجهين متناقضين. أما حرية التعبير عندهم فهي مباحة إذا شتمت المعتقدات والمبادئ السامية ورموز وتاريخ المسلمين، وتصبح حرية الكلمة مشينة إذا تجرأت على أمور دنيوية أو أحداث تاريخية لها مساس بإسرائيل والصهيونية العالمية وخير شاهد على ذلك ثورة الإعلام الغربي على كل من يشكك أو يبحث أو يتحدث عن مصداقية محرقة اليهود على يد النازية. فالمؤرخ الفرنسي روجيه جارودي حوكم وسجن لأنه ألف كتاب "أساطير اليهود" فند فيه مزاعم المحرقة النازية لليهود، وكذلك الحال تعرض المؤرخ البريطاني ديفد ايفرينج لكثير من الضغوط بسبب تأليفه كتاب عن "الهولوكوست" أي محرقة اليهود. أما تشجيعهم لسلمان رشدي لكي يشتم الإسلام والمسلمين ودعمهم لكريج وين لكي يؤلف كتاب تحت عنوان "نبي الموت" يهاجم فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو تبنيهم لمشروع صراع الحضارات الذي بشر به صموئيل هنتغتون وتلاه فرنسيس فوكوياما بأطروحاته عن نهاية التاريخ وصدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي والذي وصف فيها الإسلام بالعقيدة الدموية والعدوانية ويستمر المسلسل حسب الخطة المرسومة بقيام الصحف الدنماركية بنشر وإعادة نشر الرسوم الكرتونية المشينة والمسيئة إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ثم إعادة نشرها مرة أخرى هذه الأيام ثم بعد ذلك يقوم الرئيس جورج بوش بإطلاق مصطلح الفاشية الإسلامية ناهيك عن ما نسب إلى بابا الفاتيكان من تصريحات مكتوبة عن عدوانية ودموية الإسلام، كل ذلك لا بأس به لأنه يدخل ضمن حرية التعبير، ومع ذلك يلام المسلمون على ردود فعلهم التي تستجدي الاعتذار فقط. نعم إن حرية التعبير تتعرض للاجحاف والتعامل معها بمكيالين تماماً كما يتم التعامل مع المقاومة بمكيالين حيث الذي يدافع عن حقوقه يصنف إرهابيا والمحتل والغاصب يصنف حمامة سلام وديمقراطيا. نعم إن الذئاب لا تلام عندما تهاجم الرعية ولكن اللوم لا بد من أن ينصب على الرعاة الذين غفلوا أو ناموا أو لم يتكاتفوا أو تشاجروا واختفلوا ولم يوحدوا صفوفهم أمام تلك السباع الضارية التي استهوتها وجذبتها الفريسة شبه المسجاة والتي كل قدرتها التنديد والشجب والاستنكار أو طلب الاعتذار على استحياء. نعم إن الهجمة الصهيونية والاستعمارية العسكرية والاقتصادية والتي ترافقها أو تسبقها الهجمة الإعلامية التي توجد المبررات التي تكفل عدم معارضة شعوبهم على ما سوف تقوم به من تصرفات تخدم مصلحة فئات يغريها التآمر. نعم إن العالم العربي والإسلامي شبه مسجى فليس لديه حراك ثقافي أو سياسي أو إعلامي أو اقتصادي يوقف الزحف الصهيوني الذي تغلغل في داخل النظام الغربي واحكم السيطرة على مراكز اتخاذ القرار أو أغلبه هناك وتمكن من زرع الموالين له داخل الدوائر المؤثرة عليه ومن خلال ذلك وبحكم المصلحة المشتركة بين الصهيونية واليمين الصهيوني المتطرف أصبحت المواجهة مع العالم العربي والإسلامي هي الهدف المنشود. نعم إن الصهوينية العالمية وربيبتها إسرائيل تدير أمورها من خلال مراكز البحث المتقدمة ومراكز الدراسات الاستراتيجية بقيادة جهابذة الفكر والبحث في كل من المراكز الجامعية والأمنية والاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية مدعومة بالعلوم المساندة الأخرى وقبل ذلك بالمال والإعلام الموجه. نعم إن المعركة التي نواجهها معركة علم ومعرفة ومن لم يجدهما فهو خاسر بكل جدارة. لذلك فإن هذه الأمة مدعوة اليوم إلى الحراك ليس من أجل تفعيل الصدام ولكن من أجل تفعيل الحوار مع الطرف الآخر الذي تعمل مكنته على تفعيل الصدام من أجل كسب تأييد شعوبهم المغيبة عن الحقيقة بواسطة الإعلام الموجه. إن توعية شعوب الغرب وكسب تعاطفها يأتي أولاً قبل كسب تعاطف حكوماته ذلك أن الحكومات هناك تسمع للرأي العام هناك وتحسب له ألف حساب وهذا هو الذي يجعلهم يعزلون تلك الشعوب ويغررون بها من خلال الإعلام الجبار والمحتكر هناك. والله المستعان.