الأخضر الشاب يواصل تدريباته    وزير الداخلية يستقبل رئيس جهاز الاستخبارات بالجمهورية العربية السورية    مبابي يعود لتدريبات ريال مدريد قبل لقاء بيتيس    «منتدى مكة للحلال» يؤكد مكانة المملكة في دعم الاقتصاد الإسلامي وصناعة الحلال    ضبط مصري في جدة لترويجه مادة الحشيش المخدر    شرطة جازان تضبط وافدتين لممارستهما الدعارة    «كودو» تواصل نجاحاتها بتوقيع اتفاقية جديدة مع «شباب البومب»    المستشفيات السعودية تواصل تميّزها عالميًا مع دخول 10 مستشفيات جديدة في التصنيف العالمي    القنيعان: تخصيص منصة عدلية لتنظيم إجراءات التقاضي    النصر يفتقد ماني أمام العروبة بسبب الإجهاد وإصابة لابورت    صدور أمرٍ سامٍ بإعادة تشكيل مجلس إدارة المركز السعودي للتحكيم التجاري في دورته الرابعة    أوجلان يدعو إلى حل حزب العمال الكردستاني    ترامب: تطبيق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا في 4 مارس    المرور يعلن تنظيم أوقات دخول الشاحنات خلال شهر رمضان في 5 مدن    تحالف استراتيجي بين أُسس وهيلتون لتطوير تجربة ضيافة فاخرة في مشروع عين أسس    وزير الخارجية ونظيره البلغاري يستعرضان العلاقات الثنائية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال58 لمساعدة الشعب الفلسطيني    أمير منطقة تبوك يستقبل قائد القوات الخاصة للأمن والحماية    جمعية فهد بن سلطان الخيرية تقوم بتوزيع السلال الرمضانية للمستفيدين    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة    البرلمان العربي يدين الاعتداءات السافرة لكيان الاحتلال على الأراضي السورية    نجاح فصل التوأم الملتصق البوركيني «حوى وخديجة»    أفلام البحر الأحمر تحقق 3 جوائز في مهرجان برلين السينمائي    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يُطلقون "صُّم بصحة" لتعزيز خدمة الفحص الصحي الدوري بمراكز الرعاية الأولية    وفد إسرائيلي مفاوض يتوجه إلى القاهرة.. اليوم    أمير الشرقية يدشن حملة "صحتك في رمضان ويطلع على إنجازات جمعية "أفق" ويتسلم تقرير الأحوال المدنية    أمير تبوك يستقبل مديري الشرطة والمرور بالمنطقة    ما تداعيات التعريفات الجمركية الأمريكية - الأوروبية؟    "طبيّة" جامعة الملك سعود تحتفي بيوم التأسيس    قتلى وجرحى في اقتحامات إسرائيلية لمناطق في الضفة الغربية    الاتحاد ينتظر هدية من الأهلي في دوري روشن    "الحياة الفطرية" يطلق 10 ظباء ريم في متنزه ثادق الوطني    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم التَّأسيس لعام 2025م    إطلاق برنامج الابتعاث الثقافي لطلبة التعليم العام من الصف الخامس الابتدائي حتى الثالث الثانوي    «الإحصاء»: 81.6% من السكان زاروا أماكن الفعاليات أو الأنشطة الثقافية    عسير تطلق هويتها الجديدة التي تعكس تاريخ ومستقبل المنطقة.    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان مساء غدٍ الجمعة    قطاع ومستشفى الفرشة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للسرطان"    رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية عدة مناطق سورية    5 محاور لخطة عمرة رمضان.. «النقل» و«الذكاء الاصطناعي» يعززان إدارة الحشود    على نفقة فهد بن سلطان.. «معونة الشتاء» لمحافظات ومراكز تبوك    تدشين أضخم مشروع قرآني عالمي من الحرمين    لافروف يتهم أوروبا بتحريض كييف على مواصلة القتال.. تقارب أمريكي – روسي لإنهاء حرب أوكرانيا    نائب أمير مكة يكرم متقاعدي الإمارة    مجلس إدارة «المؤسسة» برئاسة ولي العهد يعلن: افتتاح أولى مراحل «المسار الرياضي» بخمس وجهات    الجيش السوداني يتقدم جنوب الخرطوم    اهتمام الملك سلمان بالثقافة    «شؤون الحرمين» تدعو إلى الالتزام بإرشادات السلامة    الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لرفع الأثقال    بيتربان السعودي    هنا تضمر الحكاية..أيام تجري وقلوب تتوه..    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    محافظ خميس مشيط يعقد الاجتماع الأول للتعريف بمبادرة «أجاويد 3»    ميادين الأئمة والملوك.. تخليد ذكرى بناء الدولة    يا أئمة المساجد.. أيكم أمّ الناس فليخفف.. !    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    «الثلاثية المهنية».. درع الوطن في وجه التضليل    جامعتا الحدود الشمالية وتبوك تتنافسان على برونزية قدم الجامعات أ    









أزمة نمو.. أم مأزق حضارة؟
نشر في الرياض يوم 05 - 03 - 2008

لا شيء يجسد تبادل المواقع بين السياسة والاقتصاد مثل مشهد رؤساء الدول الذين يحملون ملفاتهم المنتفخة بالعروض والمشاريع ويجوبون العالم، وفي أعقابهم يتدفق البائعون المتجولون الذين يتوسدون حقائب سفرهم ويحلمون بالثروة، انه عالم تكتمل صورته في إطار رقمي، ماضٍ في استجماع أجزائه التي توزعت على مسارب الايديولوجيات والبرامج طيلة القرن المنصرم، ويعيد صياغتها كتلة واحدة في بوتقة الصرامة الحسابية وسلطة الأرقام، حصاداً نهائياً لمواسم السجال بين الأفكار والنظريات التي زجت بالعالم في اتون حربين هائلتي التدمير وحروب كثيرة أخرى لا زالت دول العالم الثالث تعاني آثارها.
وليس جديداً أن تلحق السياسة بالاقتصاد وتقتفي خطواته راضية أو صاغرة، ولكن الجديد هذه المرة يمثل في اكتساح الاقتصادي للسياسي واحتلاله لمساحات العلاقة بين الدول، بعد أن أزاح عن وجهه كل أقنعة التمويه، وتخفف من أعباء الانتماء إلى ما عداه، ولم يعد مبالياً بما يرمى به من تهم الجشع والاستغلال، فقد اعتلى التاريخ سيداً متفرداً، تخضع لسلطانه الاجتياحي كل الأجوبة التي وقفت التجربة الإنسانية الطويلة والمتعددة دون الاهتداء إلى سبيلها، أما السياسة نفسها فلم تجد غضاضة ازاء ذلك في التحرر من غلالتها الأخلاقية أو بالأحرى الأخلاقوية، والمضي طليقة تغدق عليه ما بجعبتها من مكر ومخاتلة، وتبذل في استرضائه كل ثمين بما يشمل دماء البشر ومصير الحياة، بعد أن أصبحت المواقع الباقية التي لا زال الحس الأخلاقي متشبثاً بها عاجزة عن الصمود أمام المد الرقمي المقتحم لأصقاع العالم مسيطراً على تفكير الإنسان ونشاطه، فقبل أن تستولي العلوم التجريبية على الفلسفة التي كانت مرتعاً للفكر ومكاناً لاشتغاله، وتلحقها تابعاً يكافح للبقاء على هوامشها، كانت هذه العلوم بكاملها قد انصاعت لروح العصر المنطلق بكل قواه نحو مثاليته الجديدة المختزلة في الأرقام ومراكمة الأرباح، فلم يكن لهذه المثالية أن تنجز فتوحاتها الكبرى لو لم تهرع إلى طي العلم والفلسفة والفكر الحر تحت جناحيها، فسقطت آخر خطوط الدفاع الأخلاقية أمام الثنائية الماحقة التي أبقت (التقدم) كسيحاً ومعوقاً عند الحدود الفاصلة بين عالمين متفارقين، ينبض أحدهما صعوداً بينما يهمد الآخر نزولاً، ولقد بدا ذلك أبدياً حتى عقود قليلة مضت.
ولكن رغم السقطات الإنسانية والأخلاقية والمثالب التي حفلت بها سيرورة العصور الجديدة والتي تفجر تاريخها على أصداء الفكر الليبرالي وانضواء الطبقة البرجوازية الطموحة تحت لوائه، فإن إدارة المجتمعات عبر تحفيز عملية الإنتاج في إطار رؤية وشروط الاقتصاد الرأسمالي وجدلياتها التراكمية، أصبحت تحظى بتسليم دول العالم قاطبة، بعيداً عن القشور التي ما برحت معروضة في (فترينات) العناوين والتسميات حيث لا زالت بعض الدول تفضل التستر بها، وفي حقيقة الأمر فإن الصراعات الأيديولوجية الملتهبة والفاترة التي أودعت القرن الماضي بين دفتي التاريخ كأكثر العصور دموية وعنفاً، قد تمت تسويتها وحسمت لصالح رأسمالية مرنة تزودت بذخيرة من الآليات والعدد لاستعادة توازنها كلما عصفت بها الأزمات، فلقد انحل كل ما كان يعيقها من المعضلات في ضوء التجربة المنفتحة دون حدود على النقد والمراجعة، وأصبح ممكناً أن تنعقد أواصر الألفة والتفاهم بين القوى الفاعلة في مجالات الإنتاج والنظام الاجتماعي بعد أن تبادلت الاعتراف على خلفية المصالح المشتركة وقبلت مبدأ التسوية في إطار التكامل، ولم يكن ذلك ممكناً دون وضع الإنسان في مركز هذه التفاهمات (العقد الاجتماعي) التي تتحقق مع ضمان أسس الحياة الكريمة، بعد أن أدركت هذه القوى المعنى العميق للاعتراف المتبادل بمصالحها المشتركة ودوره الحاسم في السلم الاجتماعي وازدهار الاقتصاد وتنامي عملية الإنتاج والرفاه، وتبدو مقولة الرأسمالية الجشعة والسوق مطلقة الحرية في وقتنا الحاضر مزحة سمجة (لغير المختصين من أمثالي على الأقل) مع ترسانة المخططات ومستوى الجاهزية للتدخل الحكومي، عند أول بوادر الترنح التي قد تعتري الاستقرار الاجتماعي والمسار التصاعدي للاقتصاد عبر تعديل شبكة العلاقات المعقدة بين المال والإنتاج وترابطهما بالاستهلاك، وليس ذلك إجراء وحيداً تلجأ إليه الدول بما يطيح بمقولة الحرية المطلقة فحسب، ففي جعبتها حصيلة وافرة أخرى من التدخلات بما يؤمِّن الشفافية وتوازنية المنافسة وتقليص التفاوتات الاجتماعية والحيلولة دون الاحتكار والارتفاع بمستويات الأجور وشروط العمل، حيث يمكن القول بأن السوق (حرة) فقط لأن الإنتاج والاستهلاك من غير سقف وليست السوق إلا أداة لإدارة نموهما الذي لا يتوقف.
ومع ذلك فإن العالم يواجه أكثر الأسئلة هولاً ويقف عند تخوم الفناء التي يدفعه نحوها استئثار الثلث (المتقدم) من البشر بثلاثة أرباع موارد الأرض وخيراتها، ولا يبدو النذير كافياً حتى الآن لإرغامه على التقاط حطام معاركه التي خاضها على مساحات (المتخلف) وفي سبيل الاستيلاء على ثرواته ومصيره، ف (المثالية) المتجددة في هيأتها العولمية لا تأبه بما هو خارج الأرباح، وتتجنب الالتفات إلى ما قد يلوث صفاء (عقلانيتها)، ولم يكن لجرعات الايقاظ أو أجراس التنبيه المتجسدة في مظاهر الأزمة العالمية والحروب الأهلية والمجاعات وعبوس الطبيعة أن تقتحم على هذه (المثالية) المتوسعة استغراقيتها في عالم المراكمة.
وفي عمق الأزمة المالية الحالية التي وصفت بأنها الأكثر خطورة وتعقيداً منذ الحرب العالمية الثانية، تتجسد الاهتزازات الكبيرة التي تضرب توازنات الواقع العالمي، في مجرى التغيرات المتواصلة وانزياحات خطوط خرائط الثروة والقوة خلال العقدين الماضيين التي لم تحظ بعد بالاعتراف لدى قيادات أكبر قوى الأرض، وبصفة خاصة لدى أكبر الكبار الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت سيول التعليقات قد تدفقت مع اندلاع الأزمة المالية متدافعة في قنوات ثلاث، تنتهي كلها عند الولايات المتحدة الأمريكية التي لا زالت تحتضن حلمها وتغفو قريرة العين، ولكنها لا تفعل ذلك قبل أن تنفق خمسة بلايين دولار على تزيين حيواناتها المنزلية في موسم الأعياد، وقبل أن تلقي في المحيطات من فضلات الطعام ما يكفي لسد رمق جياع العالم في كل يوم، حيث تتشكل القناة الأولى التي تصب في مستنقع الأزمة في إطار النهم الاستهلاكي المتلبس بما يشبه قدسية العقائديات المنزهة، فمع توسع قطاع الخدمات وتراجع إنتاج السلع الاستهلاكية، تفاقم عجز الحساب الجاري الأمريكي أمام تدفق المنتجات المصنعة في الخارج، وظهرت العجوزات على أسس وهياكل الاقتصاد الأمريكي وهبت زوابع القلق والتوجس على اقتصاديات العالم مع حتمية تأثرها بالاقتصاد الأمريكي الذي يشكل حتى الآن ما يزيد على خُمس إنتاج العالم.
ولقد تميز تمويل النمو في الاقتصاد الأمريكي بالاندفاع في ابتكار طبقات من أنظمة التأمين والتحوطات حول المخاطر التي تنطوي عليها عملية الإقراض، تستند على بعضها البعض بدرجة عالية من التشابك والتعقيد تكفي لإخفاء هشاشتها الهيكلية وقابليتها للتداعي مثل أحجار لعبة الدومينو الشهيرة، أصبحت معها هذه المنتجات والأدوات المالية كما يطلقون عليها بالغة التداخل بحيث تمكنت من الالتفاف على أجهزة الرقابة الرسمية دون أن تلحظ الثغرات التي تحفل بها، كان الربح السريع يدفع بالأفكار الرامية للتوسع في نظام من التضامن الملتف حول نواة أثبتت أزمة الرهن العقاري في أمريكا رخويتها وعجزها عن التماسك حيال الضغوط الصادرة عن عجز الحساب الجاري المزمن بما يجسد المجرى الثاني للأزمة المالية التي يعيشها العالم.
أما المجرى الثالث فيرتبط بالدور والمساحة التي تشغلها العملة الأمريكية في الاقتصاد العالمي، ذلك أن استمرار البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) في توفير الأموال لبنوك القطاع الخاص بفوائد مخفضة سيؤدي إلى مواصلة الدولار انحداره مقابل العملات الأخرى أولاً، والتقليل من جاذبية الأصول الأمريكية (سندات الخزينة بصورة خاصة) للأموال الأجنبية، حيث تشكل هذه التدفقات التمويل الفعلي لعجز الحساب الجاري ثانياً، واطلاق غول التضخم من عقاله ثالثاً، وهي عوامل يكفي تفاقمها لتزج بالنظام المالي العالمي في مأزق قد تدفع اقتصاديات العالم بمجملها ثمنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.