الثورية المراهقة، أو ما أُطلق عليها "الرثّة" أو البرجوازية الثورية، هي نماذج لسلوك قيادات في منظمات وأحزاب عربية، ومن المصادفات المضحكة أن وفداً من الثوريين يتبع إحدى الجهات اليسارية المناضلة، ذهب لمقابلة "ماوتسي تونغ" في بكين من أجل دعم قضيتهم، وقد علم الزعيم الصيني أن أعضاء الوفد يرتدون أجمل البذلات، وربطات العنق من أرقى وأحدث "موضات" باريس وروما، وأن بعضهم، تضامناً مع الرفيق "كاسترو" يدخن سيجاراً من النوع الفاخر الذي يتعدى سعر الواحد أكثر من خمسين دولاراً، وحتى يعطي (ماو) درساً في التأهيل الثوري، ونقداً غير مباشر للسلوك "الأورستقراطي" للوفد العربي خرج لمقابلتهم بسروال قصير وقميص من "الخاكي" وبيده مكنسة وسطل ماء لتنظيف صالونه الكبير.. الوفد أحرج ولم يستطع طرح مطالبه، وإنما أعلن تضامنه مع "الماوية" ونزاهتها الثورية، وعظمة الحزب القائد الذي استطاع القيام بحركته الثقافية، لكن ماولم يعلّق وإنما عاد ليمارس التنظيف، مشيراً إلى أن وقت المقابلة انتهى، لينصرف الوفد المبجل.. هذه الصورة لم تعد تتكرر، لاضمحلال اليسار بكليته إلا في كوبا، وكوريا الشمالية، لكن الثورية العربية لا تزال قائمة لكن بعقلية برجوازية كبيرة حتى إن ثوريين عاشوا في ملاجئ خارجية عادوا بسيارات "المرسيدس" وجيوب الدفع الرباعي وملابس الطبقات العليا، وسكنوا أكبر البيوت وأحدثها، وسط حراسات مشددة وأرصدة ربما تغاير دعواتهم للطبقات "البروليتارية" لأن ألسنتهم تنطق بالنضال والفكر اليساري، بينما السلوك مخالف تماماً، وهذه الذرائع خدعت السوفيات والدول الأوروبية الشرقية التي كانت كريمة في استضافتها لقيادات اليسار العالمي، الذين ظلوا يسكنون أفخر الفنادق، ويأكلون "الكافيار" أو العسل الحضرمي الشهير عندما كان الجنوب اليمني ضمن تلك المنظومة. المشكلة ليست بالسلوك، وإنما بالخدعة الطويلة التي جعلت السحل ووجبات القتل الجماعي وحروب الشوارع نزهة للثورية المراهقة، ومع ذلك لم نتعلم من تلك التجارب عندما استنسخنا ثورية أخرى لكن بطروحات متطرفة ذهبت بالمغرّر بهم إلى الحور العين، وهم إرهابيون قتلة، وبامتيازات معنوية ومادية لقيادات بعضها تعلن عن نفسها وأفكارها، وأخرى تعيش في الظل حتى إن هناك إحصائية خرجت من بعض الدول رفعت مستوى دخل بعض الدعاة في الساعة، واليوم والشهر إلى أرقام لا تصدق لقاء محاضرات، أو خروج في المحطات الفضائية، أو ريع الكتب والمنشورات، وبصرف النظر عن حقيقة ذلك، أو أنه دعاية مغرضة، إلا أنها تكشف أن القيادات لأي نظام حزبي أو غيره تحصل على جني أرباح قد يكون حتمياً في بعضه، ولكنه، بالمقابل ربما لا يتفق مع مشروع العمل وأهدافه، ونحن ننزّه الكثير من الدعاة المتطوعين للخير ودرء الشر، لكننا لا نستطيع اختزال سلوك غيرهم، الذين لهم أهداف مغايرة، وسلوك مخالف..