لولا وجود الراشي لما وُجِدَ المُرتشي تلك قاعدة بدهية لهذا لُعن الراشي والمُرتشي ومعهما الرائش ذلك الذي يُهيء وييسر العمليّة الدنيئة،والرشوة كفعلٍ وُلِد من رِحم اللصوصيّة يُمارس في كل أنحاء العالم ولايُمكن الجزم بخلوّ ونظافة مجتمع ما من هذا الفعل الممقوت حتى ممن يتعاطاه سواء أكان يداً عُليا تدفع أو يداً صاغرة ذليلة تقبض لهذا فالمُرتشي لابد وأن يتّصف بنفسٍ دنيئة تقبل (وسخ) الدنيا وما أكثر (الأوساخ) ومثلها الأرواح المٌستقذرة..! يُروى - والعهدة على الراوي - أن هناك موظفاً عموميّاً عاش في زمن الجهل بالحقوق قد رقم على وجه لوحة مُتحرّكة تتصدّر منضدته الحكوميّة اسمه ومنصبه وعلى الوجه الداخلي جٌملة ( ادفع بالتي هي أحسن) فإذا استيقن بطمأنينة نحو المُراجع (الزبون) قلب وجه اللوحة حتى يفهمها الطرف الآخر و(هي طايرة) فيدفع المقسوم لتسير الأمور كما يبغي الطالب والمطلوب وإذا تلكأ بالدفع حرّك اللوحة وتنحنح مُذكِّراً بالنظام وصعوباته حتى يلين جانب المُتردد ويدفع، ولم يدم هذا الحال المشبوه طويلاً إذ سقط المُتذاكي في يدِ من هو أذكى منه (المباحث الإدارية) التي نصبتء لهُ كميناً لم يخرج منه إلاّ ب(الكلبشات) وسنوات طويلة في السجن. مناسبة هذا الحديث هو إعلان هيئة الرقابة والتحقيق عن عدد قضايا الفساد المالي التي تم ضبطها والتحقيق فيها في بلادنا خلال العام الماضي 1428ه والتي بلغت نحو (6821) منها (848) قضيّة رشوة ولا أدري لماذا أشعر أن هذا الرقم متواضع جداً ورغم ذلك كُنت أتمنى إيراد مقارنات قضايا الفساد المرصودة هذا العام بالأعوام السابقة لمعرفة اتجاه المؤشر صعوداً أو هبوطاً خصوصاً بعد المتغيرات التي طرأت على مجتمعنا وحتى يُمكن الدفع بإجراء دراسات أكثر عُمقاً ليسهل وضع الحلول الكفيلة باجتثاث أسباب (العرض والطلب) للرشوة وهذا أجدى بكثير من علاج النتيجة، ثم هناك مُطالبة وردتء في أكثر من دراسة عن مكافحة الفساد تتمثّل في إيجاد قنوات متيسّرة وسريّة لتلقّي المعلومات والبلاغات عن الفساد مع ضمان وطمأنة صاحب المعلومات في عدم الكشف عن شخصيّته وإشهار هذه القنوات عبر وسائل الإعلام ولو تم تنفيذ هذه الخطوة صدقوني بأن المرتشي والراشي كُلُ منهما سيخاف حتى من ظلّه.