جغرافية المملكة البشرية متنوعة، تأثرت بمحيط المكان، حتى إن السكان الذين عاشوا على الأطراف والاشتراك مع حدود دول عربية، جاء تأثيرها أكثر من المركز.. فالجنوب المحاذي لليمن يأخذ بتقاليد وطباع اليمن، وهناك مصاهرات ولهجات بقيت مصطلحاتها ومخارج حروفها قائمة، وفي الشمال الغربي لم يفصل البحر الأحمر نشوء علاقات مع أعراب مصر، وحتى مدنها القريبة من الساحل، لدرجة أن القبائل بين الجهتين تحتفظ بسجلها البشري ومواريثها التاريخية.. أما الشمال المختلط سكانياً وقبلياً مع الشام والذي اتسم بنشاطات رعوية لا تقف عندها حدود عندما يحدث الجدب أو الربيع، فإن انتشار البادية ثم توطين بعضها في قرى ومدن كانت أكثر جاذبية من الحالة الرعوية، أعطى تلك الشرائح البشرية سمة اجتماعية ولغوية، وحتى عادات هي خليط من لهجة بدوية، وشامية، حتى إن المسلسلات البدوية الحديثة نسبياً، أعطت صورة حقيقية تجمع تلك الأطراف بالوسط أكثر من غيرها.. في الشرق المؤثرات متعددة، فالبحر رابط جغرافي وسكاني، ولذلك ليست اللهجات والعادات فقط هما الجامع والرابط، وإنما الحرفة والوظيفة والمستوطنة التي أعطاها البحر عامل الاستقرار، ومن الصعب مثلاً التفريق بين الأجناس هناك، وإن ظلت دول الخليج تملك ما يشبه التاريخ الواحد ونجد هذا قائماً في لباسها وأهازيجها وحتى طبيعة هندستها لمنازلها، ومطبخها المعتمد أصلاً على خيرات البحر، ونخلة الصحراء.. الجوار مع العراق، ربما هو الأكثر عراقة، فهناك من يربط الجزيرة العربية بجميع المنجزات الحضارية، و"توينبي" يعتبرها المصدر لحضارات الشام والعراق، وحتى مصر معتمداً على مبدأ الهجرة القديمة جداً، وله فيها عدة آراء وأحكام، ولعل بروز المناذرة عند الفتح الإسلامي للعراق سهّل مهمة بناء الدولة الإسلامية وانتشارها تماماً كما هي الحالة مع الشام بوجود الغساسنة الذين مهدوا لقبول تلك الفتوحات.. في العصر الراهن نجد سكان الخليج وشمال شرق المملكة تأثروا بالعراق تجارةً وصناعة وقيماً هي خليط من مدنية وقبلية، وحتى انتشار المذاهب والطباع الخشنة جاء من جدلية القبيلة مع الحاضرة، والتي لا تزال قائمة حتى الآن.. يبقى الوسط أي أن معظم منطقة نجد ظلت طاردة لسكانها بسبب أحوالها المعيشية، وندرة المقومات الاقتصادية، حتى إن الهجرات التي توزعت على معظم الدول العربية، وحتى خارجها عندما اتجهت للهند كانت سبباً في نقل تلك التقاليد إلى المهاجر، لكن من عاشوا داخل محيطها الجغرافي بقوا على أصالتهم حتى إن اللهجات النجدية اعتبرت في مجمع اللغة العربية الأقرب إلى اللغة الأم، وسواء كانت تلك إيجابيات أو سلبيات إلا أنها حافظت على تلك الخصوصية الفريدة من نوعها.. هذا التنوع الجغرافي والسكاني استطاع رجل عظيم توحيده بما يشبه المعجزة عندما جاء خيار الملك عبدالعزيز تشكيل هذه الدولة وجعلها وحدة واحدة مما أعطاها ثراءً في كل شيء..