يعتمد ما يسمى ب "التفكير الأحادي" (Unilateral Thinking) على رؤية وحيدة يكوّن من خلالها تصوراته للكون ويبني عليها تفسيراته للمعطيات من حوله على اعتبار أن وجهة نظره تلك هي الوحيدة التي يمكن أن تكون صحيحة. ويفترض البعض أن صاحب هذا النوع من التفكير ربما يعاني من ضعف في المستوى التعليمي إما في كميته أو في نوعيته، فقد يكون ممن اعتادوا على التلقين وتبنّي رأي واحد فقط. وبالرغم من مساهمة هذه العوامل وغيرها في تعزيز التفكير الأحادي إلا أن هذا النمط من التفكير قد يكون كذلك سمة عقلية/نفسية تميز بعض الشخصيات عن غيرها. فعلى سبيل المثال ذكر في هذه الزاوية قبل أسبوعين قصة رجل مسن لم يأخذ برأي أبنائه في استخدام أساليب حديثة في الزراعة حتى بعد اقتناعه بجدواها. إن ذلك الشخص يعاني من العناد المتجذّر بسبب تكفير أحادي ملازم لنوعية شخصيته الحادّة. والسؤال هنا: هل العناد هو نتيجة لنمط التفكير الأحادي أم أنه سلوك مستقل عن الفكر؟ أي، هل سنجد أشخاصاً من ذوي التفكير الأحادي لايتّسمون بالعناد، وفي الوقت نفسه نجد أشخاصاً عنيدين من أصحاب التفكير الحرّ (Open Minded Thinking)؟ لقد شغلت العلاقة بين نمط الفكر والسلوك عدداً من الباحثين في مجال السلوك الاجتماعي والنفسي، واهتم بها عدد من التربويين للتعرف على طبيعة سلوك الأطفال في محاولة لرسم خطط توجيههم نحو التعامل الإيجابي وتدريبهم على الاتصال الفعال. ووجد بعض الدارسين في مجال تحليل الشخصيات (وهو حقل يتقاطع مع عدد من العلوم: كعلم الاجتماع الثقافي، والأنثروبولوجيا، والنقد الثقافي، ومدرسة التحليل النفسي) بعض النتائج التي يمكن أن تضع أيدينا على هذا السلوك المكرر بين البشر مهما اختلفت لغاتهم أو خلفياتهم الثقافية والدينية والعرقية. ففي دراسة قام بها كل من (Jiing-Lih Farh. P. Christopher Earley. Shu-Chi Lin) عام 1997وطبقت على عدة حالات مختارة من ثلاثة مجتمعات هي: المجتمع الأمريكي والصيني والمكسيكي. خرجت الدراسة بوجود ترابط بين أصحاب التفكير الأحادي، وبين سلوك العناد، مع ملاحظة أن العناد قد يوجد مع شخصيات توصف أو يعتقد بأنها تنتمي إلى التفكير الحرّ. واستنتجت الدراسة من خلال تحليل عدد كبير من الحالات أن التفكير الأحادي هو العنصر المحوري في تحديد العناد على اعتبار العناد مجرد سلوك منتج تقوم به الشخصية إرادياً في الغالب، وغير إرادي في حالات ضئيلة (3.7%) ويكون حينئاك حالة مرضية مستعصية. وفي عام 2004نشرت دراسة نفذت في جامعة بيرن بسويسرنا برئاسة Norbert Thom قامت على قياس مستوى السلوك عند مجموعة من الطلاب والطالبات (من جنسيات وأعراق متنوعة) الموصوفين بأن لديهم سلوك عناد مختلف الدرجات. وبعد اختبارات عقلية للطلاب مربوطة بسلوكهم، صنفتهم إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تتقبل الأفكار الجديدة؛ ومجموعة تتردد في قبول الأفكار الجديدة التي لم يسمعوها أو يتعرفوا عليها من قبل؛ ومجموعة ترفض أي فكرة جديدة. وتنقسم المجموعة الأخيرة بدورها إلى ثلاث فئات: فئة تكتفي بالرفض، وأخرى تشعر بالخوف والرهاب من الأفكار الجديدة، وثالثة تسعى إلى محاربة الأفكار التي تعتبرها تهديداً خطيراً على وجودها. ولاحظت الدراسة أن المجموعتين الأوليين تقبلان تغيير السلوك العنادي وإن كانت المجموعة الأولى أسرع وأكثر ثباتاً من المجموعة الثانية. أما المجموعة الثالثة فقد بقيت على عنادها بعد مرور ثلاثة أشهر من التدريب والتعليم الذي تعرضت فيها تلك المجموعة لمواقف متنوعة وخبرات جديدة. وخلصت الدراسة إلى أن التفكير الأحادي يؤدي إلى العناد، وتختلف درجات العناد وفقاً للتنشئة الاجتماعية للفرد من حيث توقّف العناد عند الفكرة أو محاولته القيام بردّة فعل مضادة للرأي الذي لا يقبله. من الواضح أن العناد والتفكير الأحادي سمتان متلازمتان أكثر مما نتصوّر حيث يصر الشخص على رأيه دون أن يفتح مجالا للنقاش حول آراء أخرى. وهذا ما يدعونا للتساؤل حول علاقة العناد بشخصيات الإرهابيين والمتطرفين من الفئة الضالة في مجتمعنا. ومن المؤمل أن تقوم الجهات العلمية بإجراء دراسات لتحليل شخصيات المتطرفين ومحاولة التعرف على عوامل التنشئة التي تسهم في بناء شخصيتهم. فمثل هذه الدراسات تساعد التربويين والآباء للتعرف على الخلل في الشخصية وتقديم الرعاية النفسية والذهنية المطلوبة.