في حفل الأوسكار الثمانين وفي خانة الأفلام الأجنبية جاءت الترشيحات منذ البداية مخيبة للآمال ومتاجهلة الكثير من الروائع الأجنبية التي زينت عام 2007، أهمها (The Diving Bell and the Butterfly) لجوليان شنبل الفائز في حفل الغولدن غلوب على أفضل مخرج وأفضل فلم أجنبي، ناهيك عن فوزه الأول في مهرجان كان بأفضل مخرج، لكن الفيلم ترشح لأربعة أوسكارات من ضمنها أفضل مخرج وأفضل سيناريو، لذلك فهو أمر غريب أن لا يترشح لأفضل فيلم أجنبي، من الأفلام الأجنبية المتجاهلة الأخرى يبرز فيلم آنج لي الأخير (Lust. Caution) والفرنسي (Vie en rose. La). بالنسبة للأفلام الأجنبية التي تنافست على الأوسكار، أتى الفيلم الإسرائيلي (Beaufort ) بديلاً للإسرائيلي الرائع (زيارة الفرقة الموسيقية-the band visit) غير المتوافق مع شروط الأكاديمية لوجود حوارات باللغة الإنكليزية لأكثر من 50% من الفيلم. وبالنسبة لبقية الأفلام الأخرى، فهناك البولندي العريق اندريه فايدا بآخر أعماله (Katyn) ومن روسيا فيلم (12) في إعادة لرائعة سيدني لوميت ( angry men12) ومن كازاخستان الفيلم الذي لا يستحق الترشح لتواضعه الفني (mongol) وأخيراً الفيلم النمساوي الفائز ( المزيفون - The Counterfeiters) في أول فوز للنمسا بالأوسكار. قد يكون المزيفون هو أفضل الأفلام المترشحة، ولكنه حتماً لا يعتبر أحد أفضل ما أنتجته السينما الأوروبية في العام الماضي. فبالرغم من أن مخرج الفيلم ستيفان روزوتسكي قدم لنا عملاً جيد الصنع من الناحية البصرية، وبطاقم تمثيلي ساعد كثيراً في بروز الفيلم، إلا أن مسألة فوزه بالأوسكار هو أمر لا يمكن تقبله، ولا يجعل هذا الأمر صعباً على المشاهد إلا إذا تذكر كل تلك الروائع السينمائية المتجاهلة من قبل الأكاديمية في عيدها الثمانين. موضوع فيلم (المزيفون) ليس بالجديد على الساحة الأوروبية، فكل عام نشاهد فيلماً أو أكثر يتحدث عن "الهولكوست"، بتغيير بسيط من هنا وهناك وتبديل للمواقع أحياناً. في هذا الفيلم هناك يهودي ماهر في تزوير العملات حتى أصبح لقبه "ملك التزوير" يتم القبض عليه من قبل القوات الألمانية وقت الحرب العالمية الثانية ليجبرونه على إدارة فريق كامل من المزورين المحترفين لتزوير الدولارات، لتدمير اقتصاد أمريكا من جهة ولتمويل الجيش الألماني من جهة أخرى. والسجين هنا تقع على عاتقه معضلة أخلاقية كبرى، فإما التعاون مع العدو والمساهمة في ازدهار اقتصاده، أو التصرف ببطولية وإيقاف عملية التزوير. قام بدور المزور الممثل الألماني كارل ماركوفيكس بأداء مذهل، الأكثر إذهالا من التمثيل كان التصوير السينمائي الذي أضفى جواً من الكآبة على الفيلم بالألوان الخافتة والحادة الذي أجاد المخرج التعامل معها ليكثف حضور المأزق الأخلاقي المتمثل في التعاون اليهودي- النازي. بالنسبة للسيناريو المترهل نسبياً، الذي أجاد فقط تحوير قضية كنا نراها من جانب آخر، على الأقل تاريخياً، لكن سينمائياً، فكان واضحاً طغيان التقليدية في السرد حتى مع توظيف تقنيات سردية حديثة لم يكن لها أي مبرر درامي، بل ساعدت في بناء الشخصية بشكل طفيف من خلال مشاهد "الفلاش باك". جودة صنع الفيلم وموضوعه العام تتوافق مع المعايير الأوسكارية العامة للأفلام الأجنبية التي لا تفضل كثيراً أفلاماً إنسانية بسيطة وذات تمويل مستقل، إلا أن صفة "الأوسكاري" وخاصة في خانة الأفلام الأجنبية، لم تعد تعني الكثير هذه الأيام!.