السؤال الذي يجب أن يطرح مع تأكيد كبريات المؤسسات المالية في العالم بزيادة احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي إلى مرحلة ركود، هو هل سيجر ذلك أيضا اقتصاد العالم إلى الركود؟؟ ام أن تأثير الاقتصاد الأمريكي على الاقتصاد العالمي لم يعد بتلك القوة المؤثرة؟؟، هذا السؤال يطرح على ضوء واقع الاقتصاد العالمي الحالي الذي أصابته تغييرات متعددة في بنيته وهيكله منذ أوائل التسعينات وازدادت وضوحاً في السنوات الخمس الأخيرة مع نمو الاقتصاد الصيني والاقتصاد الهندي وتبعهما في ذلك الاقتصاد الروسي وبعض الاقتصاديات في دول جنوب شرق أسيا، وهي تغيّرات قسمت الاقتصاد العالمي إلى محورين يشمل الأول اقتصاديات دول الاتحاد الأوربي واليابان، ويشمل الثاني الاقتصاديات الناشئة التي تضم مجاميع سكانية عالية الكثافة وهي اقتصاديات الصين والهند وروسيا والدول الآسيوية الصاعدة مثل كوريا وماليزيا وتايوان وسنغافورة، وتايلند. فمن المتوقع أن تنمو اقتصاديات دول الاتحاد الأوربي واليابان في عام 2008بوتيرة أقل بسبب ضعف الدولار أمام اليورو والين الياباني مما يجعل صادراتهما أكثر كلفة مع ضعف الدولار، وبالنسبة للاقتصاديات الأخرى الصاعدة كالصين والهند وروسيا ودول جنوب شرق آسيا فانه يجب الانتباه إلى الأثر العالمي الذي يحدثه نمو تلك الاقتصاديات ومدى ترابطها مع بعضها بعضاً، فإذا ما نظرنا إلى معدل النمو الاقتصادي السنوي لتلك الدول الصاعدة والذي يصل إلى معدل متوسط قدره (7%) لوجدنا أنه يعادل تقريباً ضعف معدل النمو الذي كان يحققه الاقتصاد الأميركي خلال السنوات القليلة الماضية والبالغ (3.5%)، بل إن الإحصاءات تشير إلى أن حجم النمو الاقتصادي الذي تحققه تلك الاقتصاديات الصاعدة مجتمعة سيشكل تقريباً نصف حجم النمو الاقتصادي للعالم. ومن بين الدلائل الأخرى التي تشير إلى تراجع أهمية الاقتصاد الأميركي كمستورد رئيسي في العالم، وبالتالي عدم تأثير الركود الأمريكي على الطلب العالمي، هو تراجع حصة الولاياتالمتحدة في الاستيراد عالمياً إلى ما بين (14% -19%) منذ عام 2000، وعلى الرغم من ذلك التراجع في مشتريات الاقتصاد الأميركي مما ينتجه العالم من سلع وبضائع - وبالأخص من دول الاقتصاديات النامية- فقد حققت تلك الاقتصاديات النامية في الصين والهند وروسيا ودول جنوب شرق آسيا معدلات نمو متسارعة بسبب نمو حجم الطلب الداخلي فيها وبسبب زيادة التبادل التجاري البيني بينها، بمعنى أن اعتمادها على حجم صادراتها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأ في التراجع فعلاً، وباتت تعتمد على نشاط اقتصادياتها بشكل أكبر. وعلى سبيل المثال أسهم ارتفاع مستوى إنفاق المستهلكين على السلع والخدمات في كل من الصين والهند وحدهما خلال عام 2007في زيادة الناتج العالمي (Global GDP) بشكل أكبر مما أسهم به ارتفاع حجم إنفاق المستهلكين في الولاياتالمتحدة، ما يعني أن اقتصاديات تلك الدول لم تعد تعتمد على الاقتصاد الأميركي لتصريف سلعها وخدماتها بالشكل الذي كانت عليه في الماضي، كذلك فإن معظم تلك الاقتصاديات لم تعد تعتمد على تمويل الغرب لها بالدرجة الأولى -كما كان الحال قبل وأثناء الأزمة الآسيوية في 1997على سبيل المثال- إذ إن حجم احتياطياتها الهائل من العملات الأجنبية الذي يقدر بثلاثة أرباع احتياطيات العالم كله قد حقق لها استقلالية مالية متينة تدعم عجلة نموها الاقتصادي غير المسبوق، وعليه فإن الأثر الذي يمكن أن يحدثه تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي على تلك الاقتصاديات الصاعدة محدود، ومن المتوقع مثلا أن يتابع الاقتصاد الصيني نموه بمعدل (10%)، أي إن الاقتصاد الصيني قد يتضاعف حجمه خلال (10) سنوات في أسوأ الأحوال حتى ولو أصيب الاقتصاد الأميركي بالركود المتوقع، علماً أن الاقتصاد الأميركي ينمو عادة بمعدل ( 3.5%-4%). يمكن القول على ضوء التغييرات التي أصابت بنية الاقتصاد العالمي القول أن الاقتصاديات الصاعدة في الصين والهند وروسيا ودول جنوب شرق آسيا ستسهم في إبقاء معدل النمو للاقتصاد العالمي في حدوده المقبولة (بين3.5%- 5%) بسبب نشاطها ونموها المتزايد على الرغم من الركود المتوقع للاقتصاد الأميركي، وتلك الحقيقة بالذات هي ما يسهم إلى حد كبير في رفع سعر برميل النفط نتيجة نمو الطلب على الطاقة الضرورية لدفع اقتصاديات تلك الدول لتحقيق معدلات النمو تلك، حيث شكلت زيادة استهلاكها من النفط ما يعادل أربعة أخماس زيادة استهلاكه من قبل دول العالم الأخرى كافة.