يحق لخام برنت أن يسمى الملك المتوج على جميع أنواع خامات البترول في العالم فهو رغم صغر حجم انتاجه الذي قد لا يتجاوز المائتي ألف برميل في اليوم لكنه هو الذي يقرر أسعار الخام الذي يتم تصديره من جميع الدول المنتجة إلى جميع الدول المستوردة (بما في ذلك الولاياتالمتحدة لكن إلى حد ما). أيضاً برنت هو العامود الفقري الذي تقوم عليه أكبر أسواق المضاربة.. وبرنت أيضاً رغم أنه أكثر أنواع البترول شهرة وتداولاً في وسائل الإعلام إلا أنه بالنسبة لي أكثرها غموضاً. حقل خام برنت بريطاني فهو يقع في الجزء البريطاني من بحر الشمال ويجب التمييز بين نوعين من أسواقه.. السوق الأول هو ما يسمى: Dated Brent وهو الخام الذي يتم انتاجه من الحقل وحجمه لا يتجاوز قطرة في حجم برميل بترول العالم.. أما السوق الثاني فهو ما يسمى: برنت الورق Paper Brent وهو لا وجود له إلا فقط على الورق ولكن حجمه اضعاف جميع أنواع البترول الذي يتم انتاجه في العالم. رغم أننا لا ننكر أنه في الحقيقة ان الدول المصدرة للبترول لا تربط سعر بترولها بسعر برميل الورق وإنما تربط تسعير بترولها بسعر برميل برنت الذي يسمى Dated إلا أن هذا البرميل بدوره مربوط سعره بسعر برميل الورق. باختصار الذي يجب أن نعرفه هو أن أسعار جميع أنواع بترول العالم مربوطة بشكل مباشر أو غير مباشر بسعر برميل الورق.. نستنتج من كل هذا انه يكفي أن تسيطر على تسعير برميل الورق في سوق ال:IPE في لندن كي يمكنك أن تسيطر على تسعير بترول العالم. السؤال المهم الآن هو - بعد أن عرفنا أن برنت البريطاني هو الذي يحدد الأسعر - هل يمكن للدول المستهلكة أن تلقي اللوم على أوبك بأنها المسؤولة عن ارتفاع الأسعار؟ أوبك كما أصبح واضحاً الآن لا حول لها ولا قوة في تحديد أسعار بترولها فأسعار بترولها مجرد تابع مربوط عن طريق الفورملا (موضوع عامود الأسبوع القادم) بأسعار برنت. ولكن يجب أن لا يفهم من هذا أننا نريد أن نقول ان بترول برنت هو السبب في ارتفاع الأسعار في الوقت الحالي لأن سوق برنت قد تم تصميمه أساساً للمضاربة وخفض الأسعار وليس رفعها فالواقع يثبت أن بترول برنت استخدم في الماضي للحفاظ على أسعار البترول منخفضة تتراوح ما بين عشر وعشرين دولاراً للبرميل في العقد الماضي.. ولا يوجد من الناحية النظرية ما يمنع الآن من محاولة تكرار نفس الشيء للعودة بالأسعار إلى التدهور مرة أخرى إذا لم تعِ بعض دول أوبك قواعد اللعبة.. ولذا لا يمكن أن نقول إن الجهة المعنية بإدارة المضاربة في سوق برنت الورق تعمل على زيادة الأسعار لأن هذا العمل لا يتفق مع أهداف السوق.. هكذا نجد أنفسنا مرة أخرى وجهاً لوجه مع السؤال المكرر مع نهاية كل عامود وهو: ما أسباب ارتفاع أسعار البترول الحالية إذن؟ والجواب هو نفس الجواب الذي يجب أن يكون نصب عيوننا ولا نمل من تكراره لأهميته وهو: ان سبب ارتفاع الأسعار ان الله خلق البترول بكميات محدودة ناضبة وأودع في البترول اكسير حياة ونمو الاقتصاد وقد اكتشف العالم الآن سر تفوق الاقتصاد الأمريكي وانه ليس ناتجاً عن أن العامل الأمريكي أكثر انتاجية أو مهارة من العامل الصيني (أو حتى العامل السعودي - لم لا؟-) وإنما فقط لأن الاقتصاد الأمريكي قد سبق العالم في استخدام البترول كمصدر للطاقة ومن ثم لحق به اقتصاد اليابان.. ولما كان كل سر جاوز الاثنين ذاع.. فقد ذاع وانتشر سر معجزة البترول في شتى أصقاع العالم وبالتالي ازداد الطلب على الذهب الأسود بينما الكمية الموجودة منه تحت الأرض تتناقص يوماً بعد يوم.. الحل العلمي إذن كما درسناه في نظرية الموارد الناضبة في علم الاقتصاد هو: أن نترك الأسعار تأخذ مجراها الطبيعي في الارتفاع..