لاشك في أن القدرة على الاتصال الفعال بالآخرين هي من أهم الملكات التي لابد أن يتحلى بها الموظفون والمديرون اليوم في كافة المنظمات وكافة المواقع والمستويات التنظيمية. فبدون اتصال فعال بالآخرين في محيط عملك لن يمكنك أبداً أن تحقق أهدافك المهنية والشخصية ولا أن تعرض قضاياك ومشروعاتك على الآخرين وتكسب تعاطف معاونيك وثقة رؤسائك. وتزخر أدبيات الإدارة الحديثة بالعديد والعديد من الخصائص التي تراكمت عبر العقود القليلة الماضية التي يقول خبراء الاتصال وتنمية المدارك البشرية إنها بمثابة الشروط المسبقة الأساسية للاتصال الفعال بالآخرين، ومن تلك الخصائص أو الشروط ضرورة أن يكون الاتصال ثنائي الاتجاه (أي أن يكون اتصالاً قائماً على الإرسال والاستقبال في آن واحد)، وضرورة الاهتمام بعنصر توكيد وصول الرسالة إلى الطرف المعني وتفسيره لها، وضرورة أن تُستخدم في عمليات الاتصال لغة سهلة وواضحة ومباشرة وغير حمالة أوجه، وضرورة أن يتم استخدام قنوات أو وسائط الاتصال الأكثر ملاءمة لظروف الاتصال ولطبيعة الرسالة المرسلة والطرف المستقبل للرسالة. على أنه من الملاحظ أن أدبيات الإدارة والاتصال التقليدية حتى وقت قريب كانت قد أغفلت بشكل شبه كامل ضرورة أن يتحلى الطرف الراغب في التواصل الفعال مع الآخرين بالقدرة الاستعداد للاستماع والإنصات إلى الآخرين. ولكن يمكننا القول إنه منذ بضع سنوات بدأت تتشكل ملامح اتجاه جديد صاعد في علم الاتصال السلوكي يرى أنصاره أن الاتصال الفعال بمعنى الكلمة لا يمكن أبداً أن يتم ويتحقق ما لم يكن لدى الطرف المتواصل مع الآخرين استعداد للاستماع الفعال بصدر رحب إلى ما لدى الآخرين وما يرغبون في التعبير عنه. وحقيقة، فإن أهمية مهارات الاستماع والإنصات كشرط مسبق من شروط الاتصال الفعال تتعاظم كلما كان الحديث يدور عن أصحاب المناصب الإدارية وخاصة على مستوى الإدارتين الوسطى والدنيا اللتين يحتك أفرادهما بالعمال والموظفين والعملاء احتكاكاً مباشراً مستمراً، ذلك أن مهارات الاستماع الجيد تلك هي من العوامل التي يمكنها أن تساعد المديرين على التعرف عن قرب على أبرز المشكلات التي تعترض طريق العمل وأهم اقتراحات العاملين والزملاء والعملاء المعنيين مباشرة بها فيما يتعلق بسبل مواجهتها والقضاء عليها. وكذلك فإن مهارات الاستماع الجيد لدى المديرين هي من العوامل التي يمكنها لعب دور بارز في إكسابهم القدرة على التعرف الدقيق على آراء الآخرين وبالتالي على كسب تعاطفهم ودعمهم المستمرين، علاوة على أنها من الأمور التي يمكن أن تسهم في جعل المرؤوسين يعتقدون أكثر بأن مديرهم هو مدير عادل ومحايد ومتفهم. فالمدير الذي لا يتحلى بمهارات استماع جيدة هو مدير من الصعوبة بمكان القول بحياديته أو بسعة أفقه أو باستعداده لتفويض السلطات تفويضاً حقيقياً غير صوري إلى مرؤوسيه. وفي ضوء كل ذلك، فإننا رأينا أن نعرض عدداً من التوصيات والنصائح المتميزة التي نشرتها مؤخراً خبيرة الاتصال والسلوك التنظيمي الأمريكية المرموقة (بريندا أيولاند) في موقعها الإلكتروني تحت عنوان The Art of Listening أو "فن الاستماع"، وذلك في السطور التالية: - النصيحة الأولى: قم بالتمرن العملي على مهارات الاستماع الفعال: فعليك أن تكثر من مطالبة الآخرين بإعطائك أمثلة عملية على ما يتحدثون به وبأن يعيدوا على مسامعك ما قالوه للتو إذا كنت تشعر بأنك لم تسمعه جيداً أو بأنك تحتاج للاستماع إليه مرة أخرى للتفكير فيه بتمعن أكبر. وعليك من حين لآخر أن تستوقف الآخرين أثناء حديثهم إليك لتوجه إليهم أسئلة مثل (هل معنى كلامك هذا هو كذا وكذا؟) أو لتوجه إليهم سؤالاً ذا مغزى تهدف من خلاله إلى أن توضح لهم أنك قد استمعت بإنصات جيد إلى ما حدثوك به وأنك قد فهمته على نحو سليم لا لبس فيه. وعليك كذلك أن تمرن نفسك على عدم الإكثار من مقاطعة الآخرين أثناء كلامهم إليك وعدم توجيه الكثير من الأسئلة والجمل الاعتراضية إليهم أثناء حديثهم لأنه من الأفضل دائماً أن تترك للآخرين (وخاصة لمرؤوسيك) فرصة التعبير الحر عن أنفسهم قبل أن تشرع في استوضاح المواقف منهم وتوجيه الأسئلة أو النقد إليهم. وأخيراً وليس آخراً، عليك أن تعود نفسك على النظر مباشرة إلى عيني محدثك وعلى عدم القيام بحركات فجائية أثناء حديثه إليك يمكنها أن توحي إليه بعدم اكتراثك به وبما يقول (كأن تدير وجهك عنه فجأة أو أن تعبث بمفاتيح هاتفك الجوال أثناء حديثه). - النصيحة الثانية: حاول أن تكتشف أوجه تحيزك الاستماعي: فلدى كل منا بعض العادات الاستماعية السيئة وغير الفعالة التي تحول دون تحليه بمهارات استماع وتواصل عالية، ومن المهم جداً أن تسعى بجد وبمصارحة حقيقية مع النفس إلى أن تضع يديك على تلك العادات الاستماعية السيئة وأن تحاول تلافيها والقضاء عليها. ويمكنك في سبيل ذلك الاستعانة بالعديد من الأدوات التحليلية مثل التسجيلات الصوتية لمقابلاتك مع الآخرين، وتدوين الملاحظات أثناء المحاورات التي تجريها مع الآخرين عن أمور مثل عدد مرات مقاطعتك لهم في الحديث كل بضع دقائق أو عدد الأسئلة التي وجهوها إليك وتعمدت عدم الرد عليها أو عدم أخذها على محمل الجد. وكذلك فإنه بوسعك التعرف على أبرز عاداتك الاستماعية السيئة من خلال سؤال أقرانك ورؤسائك وعملائك عما يرونه حائلاً بينك وبين أن تُوصف بالشخص ذي المهارات الاستماعية الجيدة. - النصيحة الثالثة: راقب الأداء الاستماعي للآخرين باستمرار: فمن المهم أن تتحلى بالقدرة على معرفة مزاياك ونقاط ضعفك مقارنة بالآخرين في محيط عملك فيما يتعلق بالقدرة على الاستماع للآخرين والاستعداد لإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير الحر عن أنفسهم بما من شأنه أن يخدم مصالحك ومصالحهم ومصالح المنظمة ككل. وبطبيعة الحال، فإنه يجب عليك أن تلتزم بالموضوعية والمصارحة مع النفس أثناء عملية المراقبة الاستماعية تلك حتى يتسنى لك تحديد ما يجب عليك التركيز عليه أكثر وما يجب عليك تحاشيه والامتناع عنه حتى تصل إلى مرتبة المستمعين الجيدين. - النصيحة الرابعة: استمع بدون مواقف مسبقة وبدون التعبير عن استجابة فورية: فالشخص الذي يحادثك يستطيع النطق في المتوسط بما يتراوح بين 125و 150كلمة في الدقيقة، بينما أنت أثناء استماعك إليه تستطيع التفكير في جمل يتراوح طولها بين 450و 500كلمة في الدقيقة، ومعنى هذا أن القدرة على توليد الأفكار عند الاستماع تفوق القدرة على توليدها عند الكلام بعدة أضعاف وأن المستمعين قد يكون لديهم بالتالي ميل تلقائي لمقطاعة المتحدثين والتعبير لهم عن مضمون ما كانوا يفكرون فيه أثناء الاستماع. والواقع أن هذه المقاطعة المتسرعة هي عادة استماعية سيئة ليس فقط لأنها تصادر على حق الطرف الآخر (المتكلم) في التعبير الحر والكامل عن رأيه قبل أن يبدأ في تلقي ردود وتعقيبات منك، وإنما أيضاً لأن الاستجابة الفورية في مثل تلك الحالات معناها أنك ستصدر آراء متحيزة ومبتسرة لأن فكرت في أضعاف الأفكار التي عبر المتكلم عنها صراحة. لذا فعليك أن تلتزم الصمت والاستماع الصبور إلى أن يفرغ الطرف الآخر من حديثه كلياً، أو على الأقل إلى أن يراودك الشعور بأن الطرف الذي يحادثك هو من الأشخاص الثرثارين والميالين بطبيعتهم للابتعاد باستمرار عن صلب الموضوع. - النصيحة الخامسة: استمع بتعاطف وتقمص: فمن المهم أن تفرغ عقلك من كل ما فيه من مشاغل وأفكار مسبقة بينما أنت تستمع إلى حديث ما، وأن تستمع إلى ما يُقال لك استماعاً خالصاً من عقلك وقلبك معاً حتى تستطيع فهم ما يعنيه المتحدث صراحة وما يضمره أو يبطنه، علاوة على أن ذلك الاستماع الدقيق الأمين من شأنه أن يكسبك ثقة المتحدث وبالتالي فإن رأيك أو حكمك النهائي سيرضيه على الأغلب لأنه لن يستطيع التعلل بأنك لم تستمع إليه باهتمام أو بأنك كنت متحيزاً ضده أو ضد وجهة نظره منذ البداية. ولاحظ أن هذه النصيحة هي من أهم النصائح التي يجب عليك العمل بها إذا ما تم اختيارك عضواً بلجنة مقابلات العمل المكلفة باختيار الموظفين الجدد لشغل الوظائف الشاغرة بمنظمتك. - النصيحة السادسة: وفر بيئة مساعدة على الاستماع الجيد: فمن المهم أن تتم عمليات المناقشة والاستماع - إن أردت لها أن تكون فعالة بحق - في مناخ هادئ وخال من العناصر المزعجة والمشوشة ومن الضغوط العصبية. إن الالتزام بهذه النصائح الست وبغيرها من نصائح وإرشادات الاستماع الجيد من شأنه أن يضمن لك بلوغ مرتبة المستمعين الجيدين، وبالتالي المتواصلين الفعالين، على المدى البعيد.