كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية والى سنوات قريبة ترى بأن دول أمريكا الجنوبية عمق أمني واستراتيجي لها، ما جعل واشنطن تدير ظهرها للقارة اللاتينية للانشغال بدول أخرى متكئة على مبدأ مونرو الذي يقول "انه لا يحق لأحد أن يتدخل في شؤون القارة اللاتينية سوى أمريكا فقط" بل وذهب إلى ابعد من ذلك بقوله "للأوروبيين القارة القديمة وللأمريكيين القارة الجديدة" وعززه كلام الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون "من المناسب بقاء القارة في أيدي التاج الأسباني إلى أن يبلغ شعبنا درجة من القوة تمكنه من أخذها منه قطعة قطعة". بيد أن هذه المفاهيم أخذت تتغير بسرعة بعد وصول اليساريين إلى دفعة الرئاسة في الدول اللاتينية وساهم الغناء النفطي في كسر الفوقية الأمريكية وهي إجراءات لم تستوعبها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد وطفقت تحاول العمل على مسارين إما جزرة الترغيب من خلال المعونات الأمريكية أو عصا التهديد من خلال الإطاحة بالنظم التي ترى بأنها لا تتفق مع سياساتها في القارة. وقد برزت فنزويلا كأنشط الأعداء للولايات المتحدةالأمريكية بل وأضحت شوكة في خاصرتها بعد وصول هوجو شافيز إلى سدة الرئاسة وعدم نجاح المحاولات الانقلابية لتمنطقه بالشعب الفنزولي الذي عانى كثير من وطأة الاستعمار سنين طويلة وانتظر هذه الفرصة التي يتمكن من خلالها من استغلال ثرواته الطبيعية وتسخيرها لتنميته البشرية. ومن الإجراءات التي اتخذتها دول أمريكا اللاتينية لكسر الهيمنة الأمريكية التوجه بمنتجاتها من المواد الأولية إلى أسواق غير أمريكا الشمالية مثل الصين التي تستورد حوالي 60% من دول أمريكا اللاتينية، والعمل على فتح منافذ جديدة لاستيعاب هذه المنتجات وتحقيق عوائد ربما تكون خارج نطاق الدولار الأمريكي. وكخطوة أخرى في هذا التوجه قامت فنزولا مؤخرا بإجراءات تأميم النفط وحصر الاستثمار في الشركات الوطنية رغم أنها تزود الولاياتالمتحدةالأمريكية بحوالي 15% من احتياجاتها النفطية الأمر الذي لم يرق للشركات النفطية المدعومة من قبل حكوماتها التي بدأت في مقاضاة الحكومة الفنزولية ممثلة بشركة النفط الفنزولية. وبرزت قضية أكسون - موبيل كأحد أهم نقاط النزاع السياسي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وفنزويلا حيث ثبتت محكمة فدرالية أميركية الأسبوع الماضي قرارا بتجميد 300مليون دولار من موجودات شركة النفط الفنزويلية العامة في إطار الخلاف بين كراكاس والمجموعة النفطية الأميركية "اكسون موبيل". وكانت "اكسون موبيل" اكبر مجموعة نفطية في العالم لجأت إلى كل الأساليب القضائية بعد ان بدأت فنزويلا في الأول من مايو الماضي تأميم حقول النفط في حوض اورينوكو. وجاءت مساندة الولاياتالمتحدة لشركة أكسون - موبيل كحافز للشركات النفطية الأخرى التي تعمل في فنزويلا للتمرد على قرار فنزويلا الذي تعتزم فيه امتلاك ستين بالمئة على الأقل من رأسمال الشركات التي تستثمر حقول النفط في هذه المنطقة، غير أن شافيز وكردة فعل قوية هدد بقطع شحنات النفط من بلاده عن الولاياتالمتحدة ردا على مساندة الولاياتالمتحدةالأمريكية لمساعي إكسون موبيل. بقية دول أمريكا اللاتينية تنتظر ما ستتمخض عنه مساعي جارتها الغنية بالنفط قبل أن تسلك مسارات تنعتق من غطرسة الجارة التي تحاول فرض منهجية القرن الأمريكي الأمر الذي ريما يشكل خارطة لليسار الذي سيزيد من صعوبة الرسالة الأمريكية بالمنطقة.