تشبه العاصمة الأذربيجانية مدينة برلين بعد انقضاء الحرب الباردة، فهذه الجمهورية السوفييتية السابقة والدولة الزراعية الفقيرة التي لا يفصلها عن إيران سوى ممرٍ مائي أضحت اليوم حليفاً مهماً للولايات المتحدة في حربها المعلنة على ما يوصف ب "الإسلام المتشدد". يبدو المعبر الحدودي على الضفة الأذربيجاني فقيراً. فليس سوى بوابة وبرج لتنظيم خروج عدد محدود من السكان الأذربيجانيين المحليين الذين يقطعون الحدود راجلين ليعودوا من الجمهورية الإسلامية محملين بالملابس والعطور الرخيصة، أو في بعض الأحيان، بالهيروين، والأقراص الدينية المدمجة، يقول جندي من حرس الحدود: "دائماً ما نجد مع الأذربيجانيين العائدين من إيران كتيبات وأشرطة دينية، فنقوم بتسليم المضبوطات إلى الإدارة"، رغم استقطاب منطقة الشرق الأوسط للأنظار حالياً بسبب ميزتها الجيوسياسية فإن أذربيجان لا تبدو مستاءة من موقعها الجغرافي. فهي تطل على بحر قزوين الغني بالبترول والنشط في حركة السفن المتنقلة ما بين الشرق والغرب. بالإضافة إلى امتلاك أذربيجان لاحتياطي نفطي يتراوح ما بين 7الى 13مليون برميل فإنها تزود الغرب بحاجته من النفط عبر شبكة أنابيب خاصة تنقل البترول من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط، وكل هذا دون أن تحتاج الدولة الفتية لمساعدة من روسيا. وبالمقابل، فإن أمريكا تبدو مهتمة جداً بهذه الدولة التي تتوسط قارة آسيا وتتمتع باستقرار يجعلها مغرية للولايات المتحدة كي تجعلها محطة تنطلق منها مركبات التجسس على إيران وأفغانستان وباكستان. من جهة أخرى فإن العام الماضي شهد ازدياداً في افتتاح المؤسسات الإسلامية وتصاعداً في موجة الاعتراض على الحكومة من قبل الأغلبية الشيعية التي تتأثر سريعاً بالنغمة الثورية من الجارة القريبة، ويخشى الكثيرون من اندلاع العنف في الجمهوريات السوفيتية السابقة القريبة من الشيشان وداغستان. بيد أن تأثير ملالي إيران المتزايد بدأ يثير القلق. وبالمقابل فإن البعض الآخر لا يشعر بالارتياح من التقرب إلى أمريكا. يقول المحلل السياسي راسيم موسابيوف: "إذربيجان تريد الميل للغرب، بينما تريد إيران من أذربيجان أن تميل للشرق. فيبدو أن الإيرانيين لا يتمنون نشوء دولة أذربيجانية مستقلة". مخاوف الحكومة الأذربيجانية من إيران تبدو مفهومة. بيد أن خشية الجمهورية الإسلامية من الجار النشيط تحتاج الى شرح. فإيران تراقب بقلق مواطنيها القاطنين في الأقاليم الجنوبية والذين تعود أصولهم إلى جذور أذربيجانية. فاللعب على الوتر العرقي والقبلي في تلك الجهات سيصب حتماً في صالح الولاياتالمتحدة وأذربيجان، وستبقى إيران الخاسر الوحيد كما أن هذه الأخيرة تخشى من أن تكون أذربيجان قاعدة عسكرية مستقبلية لأمريكا، في حال أن قررت الدولة العظمى اتخاذ هذا الإجراء بحق الدولة الفارسية. يقول دبلوماسي غربي أمضى وقتاً طويلاً في أذربيجان: "يعلم الجميع أن هناك نشاطاً دبلوماسياً أمريكياً مكثفاً لعقد صفقة مع الحكومة المحلية وبناء قاعدة عسكرية أمريكية. بل إن هذه المفاوضات تجاوزت مرحلتها الأولية. فأي زائر لمطار العاصمة لابد أن يلاحظ وجود قاعات لا تحمل أبوابها أي شارات تعرّف بها. ومن سنحت له الفرصة للنظر الى داخل لرأى أعداداً كبيرة من الجنود الأمريكيين". لا تزال المفاوضات جارية بين الأطراف الثالثة. أمريكا إلى الغرب وإيران إلى الشرق وبينهما أذربيجان التي تحاول التوصل لمعادلة سياسية للتوفيق بين كل الأطراف والخروج رابحة من اتفاقية نافعة تقيها شر المتطرفين والعملاء وتحفظ لها مقدراتها النفطية وسلامها الداخلي. ''(لوس انجلوس تايمز)