تعتبر فترة ما بعد التقاعد هي الفترة الزمنية الفاصلة بين حياة العمل وحياة التفرغ والتي تصاحبها ظروف مختلفة تحدد نوعية التعامل مع الحياة من جديد ومواصلة مشوار مليء بالعطاء والتجديد، وإن كان هناك منتجعات خاصة في الدول الأوروبية للنقاهة والتي تفيد في إعادة ترميم النفسية بعد طول مداومة للعلاج أو بعد إجراء العمليات الجراحية أو بعد المعاناة النفسية التي يمر بها المريض، فانه من الإلزام تواجدها لدينا للمتقاعدين بعد فترة التقاعد وخصوصاً ان بلادنا تتمتع بمصايف جميلة ومناطق طبيعية لا تقل مستوى عن الدول الأخرى ومن هنا يتحتم إيجاد منتجعات للمتقاعدين بعد فترة التقاعد مباشرة، فماهي الاقتراحات المطلوبة والأهداف المرجوة من إيجاد تلك المنتجعات؟ الاستثمارات المختلفة هند السالمي معلمة متقاعدة تؤيد الفكرة للمتقاعدين وأيضاً للمتقاعدات أو في حالة وجود زوجة متقاعدة للمتقاعد وترى أن طرح هذه الفكرة ليس بمستحيل على بلد معطاءة بخيراتها وبرجالاتها وبدعم الحكومة للقطاع العام والخاص وفكرة إنشاء منتجعات متكاملة تشمل الخدمات الفندقية والنوادي الصحية والترفيهية فكرة تستوجب أولاً حفز رجال الأعمال على الخدمة الاجتماعية والعوائد المالية المرجوة من مشروع يتطلب اختيار الموقع بين احضان الطبيعة الخلابة لتوفير الهواء الصحي والمناظر الممتعة بجانب ذلك المنتجع بعيداً عن الضوضاء والعمران وهي فكرة واردة ولكن توفيرها لشريحة معينة في المجتمع يفعل عطاءاتها ويجعل من دور الدعاية والإعلان دوراً بارزاً لتنشيط الفكرة في أذهان المتقاعدين وتوفير العروض المسموح بها طوال العام وخصوصاً ان المتقاعدين بدأوا يشكلون نسبة لا يستهان بها سنوياً، ومن الممتع ان يجد الإنسان المتقاعد مكاناً هادئاً ومريحاً لممارسة تنظيم افكاره من جديد وان يكون هناك مكان مخصص للعائلات في حالة رغب المتقاعد اصطحاب اسرته معه. وتضيف ايمان الجيزاني زوجة عسكري متقاعد "وإذا ضمنا إنشاء المشروع وتوفيره يتوجب توفير التخفيضات في الإيجار والرسوم وتنظيم الرحلات السياحية والتخييم وحفلات الشواء وممارسة الهوايات خصوصاً لمن اعتادوا الحركة المستمرة اثناء الخدمة كما ان إلقاء المحاضرات المختلفة التربوية والأكاديمية والنفسية والصحية ونظام الحمية لتفادي التعرض للأمراض فيما بعد وللنشاط والصحة وليس لأن المتقاعد بدأ في مرحلة الهرم أو الكبر وهذه المحاضرات تساعد على بناء عقلية جديدة ورؤية عميقة عن الكون والنفس وتساعد على رسم خطوات جديدة نحو النجاح والاهتمام بإثراء الثقافة الخاصة بالمتقاعد عن طريق تزويد تلك المنتجعات بالمكتبات المليئة بالكتب القيمة وبوجود أفضل عروض مصادر التعلم وأدواته السمعية والبصرية بالإضافة إلى ربط المتقاعد بثقافات العالم عبر البرامج المختلفة وعبر استضافة العروض المسرحية والثقافية والأمسيات الشعرية والقصصية لنخبة من الأدباء والشعراء في تلك المنتجعات لتكون عالماً متكاملاً ثقافياً وفنياً وأكاديمياً وتربوياً يشكل نفسية صحيحة مبنية على الدين والحياة جنباً إلى جنب لمواصلة مشوار الحياة بأمان عن الاضطرابات النفسية والأمراض المختلفة التي تكون نتاج الوحدة والقلق والتفكير المضني والخوف من المستقبل وممارسة تلك الأنشطة بين المروج الخضراء يساعد على جذب المتقاعد على تدريب نفسه لمواجهة الحياة من جديد، وإعطاء المتقاعدين شيئاً من الحقوق النفسية لا يقل عن تلك التي تمس المادة والأوضاع الاقتصادية، على أن يكون هناك دعاية مثمرة في القطاعات المختلفة. بينما ترى فاتن بخاري إدارية متقاعدة وزوجة مدير متقاعد "بأن مثل هذه المشاريع ناجحة لأنها ترتبط بالمادة فهي ايضاً ناجحة وبصورة مبهرة على المستوى النفسي للمتقاعد إذ تكسبه نوعاً من التوازن وخصوصاً أن مجموعة المنتجع من نفس الوضع التقاعدي فتكون الهموم والاحلام والطموحات مشتركة ويكون العبور النفسي بينهم متاحاً وبحرية ويساعد على تقريب وجهات النظر، كما ان وجود المتقاعد وسط أجواء الطبيعة بعيداً عن الموثرات المدنية وملوثات البيئة يساعد على تهدئة نفسيته وجلب مشاعر الفرح والسعادة والمرح وإزالة حواجز الملل والتذمر والاكتئاب وتعمل على تنقية ذهنه وتصفية أعماقه من ترسبات العمل وتوجسات المستقبل. ترتيب الأوضاع وتضيف إيمان بأن "لكل متقاعد خطة مسبقة قبل أن يقدم على طلب التقاعد وهذا يجعله على أهبة الاستعداد للتنفيذ وقد تكون تلك الخطة قد أعدت في زحمة الأعمال المتراكمة عليه وقد تداخلت فيها الكثير من آراء الزوجة والأبناء فتكون المؤثرات على قراره الجديد في الحياة قد تأثر بقرارات الآخرين وهنا قد يفقد المتقاعد جزءاً من طموحاته للانخراط التام مع أفراد أسرته وأحياناً يكون العكس إذ أن اتخاذ البعض للخطة قد يكون بمحض الانعزالية التامة عن أسرته مما يزيد في صعوبة تنفيذ خطته فيما بعد، ففي كلتا الحالتين قد تكون خطته تحتاج لترتيب من جديد، ولعل الالتحاق بمثل تلك المنتجعات يساعد على تنقيح خطته في ضوء الذات والأسرة واخذ آراء المتقاعدين وفتح الحوار والنقاش معهم والاستفادة من العقليات الأكاديمية منهم في الإنجاز والطرح والتنظيم بما يفيد فئة المتقاعدين الأقل مستوى في هذا المجال حيث إن الهموم واحدة والطريق واحد نحو صياغة الخطط المتعلقة بالمشاريع الخاصة والاستثمارات المطلوبة من مستحقات التقاعد والاستنارة بالعقليات التجارية المختلفة فتكون فائدة للمتقاعد قد تعدت الاستمتاع بالجو والطبيعة إلى الاستمتاع بالخبرات والتجارب القيمة المختلفة لبناء نفسيته وحياته من جديد. توثيق العلاقات وتختتم فاتن بقولها "إن تنمية العلاقات من وراء إنشاء منتجعات المتقاعدين هي ابرز السمات المهمة حيث يكون المتقاعد في طور فصل الوظيفة عن حياته وقد يترتب على ذلك انشغال اصحاب العمل والزمالة بحياتهم عن مد التواصل اليومي معه وهنا ومن خلال تجمعات المتقاعدين تتوطد العلاقات الاجتماعية والصداقات والتي تعتبر نبضاً لحياته الجديدة ودعماً للتجديد وقطع الوقت باللقاءات مع الأصدقاء ولعب الألعاب المختلفة واحتساء القهوة والشاي في أجواء الذكريات والطموحات وهذا له مردود إيجابي ينعكس على علاقته بالأسرة والأهل حيث يكمل مشوار حياته مليء بالرفقة والمسامرة والمشاعر الدافئة التي يكون اشد الاحتياج إليها بعد فترة عمل طويلة.