إن من أهم حاجات المجتمع الإسلامي وجود جهاز مصرفي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية ويقوم بحفظ أمواله واستثمارها، وتوفير التمويل اللازم للمستثمرين بعيداً عن شبهة الربا ومن دون استعمال سعر الفائدة، وهدفها تجميع الأموال وتوظيفها لجميع أفراد المجتمع بما يتفق مع الشريعة الإسلامية. وكان أول ظهور لنظام المصرفية الإسلامية في بيت مال المسلمين أيام الخليفة عمر بن الخطاب كما جاء في "تاريخ الطبري"، أما في العصر الحديث فقد ظهرت أول محاولة لإنشاء مصرف إسلامي عام 1963م في جمهورية مصر العربية وكان للدكتور أحمد النجار - رئيس الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية الأسبق - الفضل في تأسيسها. وقد جاء الاهتمام بإنشاء المصرفية الإسلامية في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في مدينة جدة عام 1972م وهو ما نادى به الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وكان هدفه من ذلك تكوين تضامن إسلامي شامل نتاجه المصرفية الإسلامية وبنك إسلامي دولي وتأسيس البنك الإسلامي للتنمية الذي بدأ عمله عام 1977م في "مدينة جدة" المملكة العربية السعودية ومن ثم توالى نشوء العديد من المصاريف الإسلامية كدار المال الإسلامي التي أسسها رائد المصارف الإسلامية صاحب السمو الملكي الأمير محمد الفيصل وبنك دبي الإسلامي وبيت التمويل الكويتي وبنك فيصل الإسلامي وغيرها. والمصرفية الإسلامية هي مؤسسة مالية ومصرفية لا تتعامل بالربا وتلتزم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في جميع معاملاتها المصرفية والاستثمارية، من خلال تطبيق مفهوم الوساطة المالية القائم على مبدأ المشاركة في الربح أو الخسارة، ومن خلال نظام الوكالة بنوعيها العامة والخاصة. ومن خصائص المصرفية الإسلامية وأهدافها الالتزام بقاعدة الحلال والحرام وعدم التعامل بالفائدة وتقديم الخدمات الاجتماعية من خلال القروض الحسنة ونفع المساهمين والمتعاملين ككل وتوفير التمويل اللازم للجميع وتحقيق العدل في توزيع عوائد الثروات على الجميع وتنمية الاقتصاد الوطني والسعي لتحرير المعاملات المصرفية من المحظورات الشرعية وتنمية خدمة المجتمع. ومن الملاحظ تزايد الاهتمام بظاهرة المصارف الإسلامية حول العالم وهذا لم يأت من فراغ بل من التزايد المستمر في أعداد المسلمين على مستوى العالم وارتفاع عدد المستثمرين العرب من عملاء المصارف للتعامل مع البنوك الإسلامية، حيث تجاوزت أعداد المصارف الإسلامية عام 2007أكثر من "300" مصرف ومؤسسة موزعة على 50دولة، إضافة إلى تبني بعض الدول للنظام الإسلامي المصرفي إما بالاستثمار أو تزايد اتجاه البنوك والمؤسسات التقليدية إلى أسلمة عملياتها كما حدث بإدخال خدمات مصرفية إسلامية ضمن عملياتها، والاتجاه بافتتاح فروع إسلامية بها. وتتعد الخدمات المالية والمنتجات المقدمة من قبل المصارف الإسلامية وفقاً لاحتياجات المتعاملين مع هذه المصارف من أفراد وشركات وبما يتناسب مع جميع الأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية والعقارية وقطاع المقاولات في السوق المستهدفة من المصارف الإسلامية. والملاحظ ان هناك تطويراً وتحديثاً في هذه الخدمات باستمرار، إضافة إلى المشاركة والمضاربة والإجارة وعقود بيع المرابحة والمزارعة والمساقاة وغيرها من أدوات التمويل المتعددة والمتطورة التي أفرزتها المصرفية الإسلامية. كما تم استحداث خدمات أخرى مثل خدمات المصرفية الهاتفية وتحصيل الشيكات الكترونياً، وخدمات الصراف الآلي وفتح حسابات الكترونية بواسطة الانترنت والتحويلات السريعة، وبطاقات الائتمان الإسلامي والأوراق المالية الإسلامية للتشغيل قصير الأجل، هذا علاوة على إصدار الصكوك القائمة على المشاركة في الأرباح والمرابحة الشخصية. ونجحت المصارف الإسلامية في استحداث أدوات تمويلية مشتقة من عقود المرابحة والإجازة والمشاركة أسهمت في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي عجزت البنوك التقليدية عن تمويلها. وأخيراً رغم التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية إلا ان هناك توقعات كثيرة باستمرار هذا التوجه وتزايد عمليات التحول نحو الصرافة الإسلامية حتى في البلدان الغربية خلال السنوات المقبلة بفعل النجاحات المتوالية للمصرفية الإسلامية التي تماثل المنظومة المصرفية العالمية أو تكاد تتجاوزها، فقد توقعت دراسة أعدها البنك الإسلامي للتنمية بالتعاون مع مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا أن يستمر النمو في جميع مؤشرات المصارف الإسلامية، وكذلك التحول في الخدمات المالية التقليدية لتتوافق مع الشريعة الإسلامية بمعدلات متفاوتة في الدول المختلفة، وحتى في الدول الغربية من المتوقع أن تواصل الخدمات المالية للمصرفية الإسلامية نموها شريطة استمرار نمو ثقة العملاء بهذه المصارف واقتناعهم بمصداقيتها وتوافقها مع الشريعة الإسلامية السمحة، والله الموفق.. @ مستشار مالي جمعية الاقتصاد السعودية