كان سلاطين آل عثمان يملكون أعداداً هائلة من الزوجات والجواري وكانت كل "واحدة" منهن تنجب طفلا أو اثنين يستحقون جميعهم خلافة والدهم ، وقد يتجاوز عددهم المائة والمئتين.. ففي تلك الأيام كانت ضخامة الذرية وسيلة لضمان بقاء الحكم في نسل السلطان مهما اختل بينهم ترتيب الأولوية.. ولكن المشكلة - في هذا النظام - أن الخليفة الجديد يسارع لقتل جميع أخوته كي يضمن بدوره بقاء الخلافة في نسله. وقد استمرت هذه العادة البشعة قرونا طويلة حتى أصبحت الأم تقتل ابنها بنفسها خشية قتله من قبل السلطان الجديد والأخ الكبير. أما شيوخ ذلك الزمان فقد سايروا السلاطين وأفتوا بجواز قتل بقية الورثة بحجة ان "الفتنة اشد من القتل" وأن ذبح "شوية أيتام" خير من تمزيق الأوطان !! ورغم ان الأمور كانت أقل دموية في الصين وتايلند والمغرب إلا أن إنجاب عدد هائل من الاطفال كان وسيلة شائعة ومعتادة لاستمرار السلالات الحاكمة.. أما هذه الأيام فعوضا عن الذرية الكبيرة يتم تكثير أعضاء الحكومة نفسها(وتوزيعهم عند الطوارئ) في مخابئ سرية تحت الأرض. فأثناء الحرب العالمية الثانية مثلا ارتفع أعضاء الحكومة البريطانية بنسبة كبيرة ونزلت بأكملها الى أنفاق سرية تحت لندن(يمكن زيارتها اليوم من قبل السياح). وفيما كانت صواريخ هتلر تدك لندن(من فوق) كانت حكومة تشرشل تحكم البلاد(من تحت) ولا تجتمع في مكان واحد أبداً.. ويبدو أن قائد قوات الحلفاء في ذلك الوقت(الجنرال إيزنهاور) أعجب بهذا التنظيم فأقر شبيها له في أمريكا بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية. فأول شيء فعله بعد دخوله البيت الأبيض عام 1956هو سن قانون "حكومة الظل" الذي يضمن استمرارية الشخصيات الحاكمة في حال تعرضت البلاد للخطر.. ويتضمن هذا القانون الكثير من الإجراءات الاحترازية مثل بناء مخابئ سرية للحكومة، وعدم اجتماع الرئيس ونائبه في مكان واحد، وترشيح وزراء للظل ينوبون عن الوزراء الرسميين، ناهيك عن الابقاء على سرية الحكومة وعدم البوح بمكانها.. وبالفعل تم في عام 1961الانتهاء من بناء مقر احتياطي للكونجرس مضاد للقنابل النووية(تحت منتجع غرينبراير ) وانشاء غرف تحت الأرض في غرب فيرجينيا لأعضاء الحكومة تعرف ب"الغرف اليونانية" ، كما طلب من اعضاء الحكومة ترشيح(العديد) ممن ينوبون عنهم في الظروف الطارئة... !! ورغم أن عدم اللجوء لهذه الإجراءات خلال الخمسين عاماً التالية(ربما باستثناء توزيع أعضاء الحكومة أثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر) إلا أن الأمريكان لم يتوقفوا عن بناء المخابئ السرية والمحصنة.. فخوفاً من هجوم نووي قد يشنه الاتحاد السوفياتي السابق أنشئت أنفاق وملاجئ تحت أرضية في معظم الولايات.. وفي كتاب "القواعد والأنفاق الجوفية" ((Underground Bases and Tunnels يقدم الدكتور ريتشارد ساندر خرائط مفصلة للقواعد العسكرية والأنفاق العميقة التي تنكر الحكومة وجودها.. فهناك مثلا "مركز قيادة شمال امريكا" تحت جبال شايان، ومخابئ الوثائق العسكرية والسياسية تحت صحراء نيفادا، ومخزونات الطاقة الاستراتيجية في فلوريدا وكاليفورنيا في حين توجد مخابئ الصواريخ النووية في كل ولاية تقريبا - !! .. ورغم عدم خبرتي الشخصية في الشؤون العسكرية إلا أنني أتساءل إن كان (الخوف من الأعداء) يكلف أكثر من مواجهتهم مباشرة !!