توقع خبراء اقتصاديون ومستثمرون في القطاع العقاري المحلي تباطؤا في النمو العمراني، خاصة في الإسكان المتوسط ومنخفض التكاليف، بعد الزيادة الملحوظة التي شهدها السوق في أسعار مواد البناء. ولفت الخبراء والمستثمرون إلى أن ارتفاع أسعار مواد البناء سيؤثر سلباً على حسابات التكاليف والأسعار النهائية للمساكن، ما سيؤدي الى ارتفاع قيمة الشراء وتكلفة الإيجارات السنوية والتي واصلت بدورها مسلسل صعود قيمتها إلى أسعار خيالية وصولا الى رفع معدلات التضخم الى أعلى مما هي عليه، ما ينذر بتفاقم الأزمة الإسكانية في السعودية ذات إفرازات خطيرة. كما أكدوا أن الارتفاع سيؤثر على نشاطات في قطاع المقاولات والبناء والتشييد، وذلك في وقف أو تأخر تسليم المشروعات وما يتبعه من نزاعات بين الشركات المنفذة وأصحاب المشاريع الكبرى أو المجمعات الإسكانية بسبب المفارقة لأسعار مواد البناء خلال وقت إبرام العقود الإنشائية، وصعوبة مراجعتها، مما يكبدهم تكاليف إضافية في حال استمرت الزيادة الحالية على نفس معدلاتها. ودعا الخبراء والمستثمرون إلى ضرورة فتح المجال إمام المزيد من الاستثمارات الوطنية في إنتاج مواد البناء خاصة الاسمنت والرمل والحديد، وكذلك طالبوا من وزارة التجارة والصناعة بوضع ضوابط لعدم التلاعب في الأسعار ومنع الاحتكار في الإنتاج والاستيراد حتى لا يؤدي ذلك الى تشوهات تؤثر سلبا على شكل النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده البلاد في الوقت الحالي. وأعاد ارتفاع أسعار مواد البناء والتي كان آخرها ارتفاع سعر طن الحديد إلى 750ريالا حسابات بعض أصحاب المباني السكنية الخاصة التي لازالت في طور الإنشاء وذلك بتقليل من الإعمال الإنشائية لمساكنهم، فيما أجبر الآخرون عن عدم السير في أعمال تنفيذ البناء، بينما كان هناك من أجل فكرة الشروع في بناء مسكنه إلى حين هدوء الأسعار خاصة في ظل المعاناة من تراجع مستوى القدرة الشرائية حالياً. وتعالت أصوات أصحاب المباني السكنية منادية بتدخل الجهات ذات العلاقة لوضع حد للارتفاعات وذلك بتطبيق آلية تحول دون صعود الأسعار بشكل عام بما يحفظ حقوق جميع الأطراف، بجانب مراقبة السوق خلال المرحلة الحالية والمقبلة منعا للمبالغة في الأسعار والدخول في منعطف المضاربة، وفتح الاستقدام لقتل الشح في العمالة الماهرة التي يعاني منها قطاع البناء والتشييد. من جانبهم، علل بائعو مواد البناء وموزعوه بالإضافة إلى وزارة التجارة والصناعة الزيادة الأخيرة الواضحة في الأسعار إلى عوامل عديدة أبرزها زيادة معدل الاستهلاك العالمي، فضلا عن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة أسعار المواد الخام من مستلزمات الإنتاج وفي مقدمتها الخردة. وأعتبر الدكتور سالم باعجاجة الأكاديمي الاقتصادي في جامعة الطائف، زيادة أسعار مواد البناء أكبر خطر يهدد السوق العقاري وخاصة في المساكن، وذلك في توقف حركة البناء في الكثير من المشاريع، سواء أكانت سكنية أم تجارية، مشيراً الى أن مادة الحديد أو الاسمنت من أهم المواد الخام الداخلة في البناء والتي تلعب دورا مهما في الحركة العمرانية ويجب الاهتمام بتقليل هذه الأسعار. وأكد باعجاجة أن هذه الزيادة ستؤثر بشكل كبير على استثمارات المقاولين والمؤسسات العاملة في مجال الإنشاءات، بسبب الخسائر التي ستلحق بهم في ظل المفارقة لأسعار خلال وقت إبرام العقود الإنشائية، وصعوبة مراجعتها، مما يكبدهم تكاليف إضافية في حال استمرت الزيادة الحالية على نفس معدلاتها ويدخلهم في نفق القضايا والشكاوى التي ستثقل كاهلهم إضافة إلى كاهل الملاك والمحاكم في نفس الوقت، ما دعاه للمطالبة بضرورة تشكيل لجان لدراسة مشكلة على مستوى المشاريع. ورشح باعجاجة بأن تكون نتيجة الخسارة الكبرى من جراء زيادة الأسعار هي إيقاف المشاريع والبطء في تنفيذها مطالبا الدولة بالتدخل لإيقاف ارتفاع أسعار مواد البناء، خاصة أن الارتفاعات غير منطقية. مطالباً بضرورة أن يكون هناك تحرك من قبل وزارة التجارة والغرف الصناعة، وذلك بالتدخل الفوري والسريع لمراقبة الأسعار والحد منها بشكل سريع ومؤثر حتى تسير الحركة العمرانية على ما يرام، مؤكدا انه لو لم تتدخل الجهات المسؤولة فلن تتوقف موجة ارتفاع أسعار مواد البناء. من جانبه أرجع إبراهيم الشتوي مستثمر عقاري وعضو في اللجنة الفرعية للمكاتب العقارية في غرفة الرياض، الارتفاع إلى الطلب المتزايد على منتجات مواد البناء في ظل بقاء حجم المعروض في السوق ثابتا، مؤكداً أن أول الحلول التي يجب تنفيذها يكمن في إيقاف التصدير المواد والقضاء على السوق السوداء وعلى السماسرة مواد البناء وإيجاد آلية للتعامل مع هذه الزيادات في السوق. إلا أنه اعتبر الزيادة في الأسعار أمرا صحيا، وذلك بجذب المستثمرين لتأسيس شركات منتجة لمواد البناء خاصة، وبالتالي يكون هناك تنافس سعري بين الشركات. وأكد الشتوي أن مشكلة ارتفاع الأسعار هي مشكلة كبيرة جدا لأنها تتسبب في ارتفاع كافة الأسعار الأخرى المتعلقة بالعقارات مثل ارتفاع أسعار شركات المقاولات وارتفاع الإيجارات وغيرها من مثل هذه الارتفاعات، مطالبا وزارة التجارة والصناعة بالتحرك السريع لوقف الارتفاع الحاد في الأسعار، الذي أكد أنه يشكل عائقاً أمام الكثير من ذوي الدخل المحدود، المتطلعين لبناء مساكن لهم ولأسرهم، خصوصاً في ظل العجز الكبير في مشاريع الإسكان على مستوى المملكة، وكذلك في ظل الطلب على المشاريع التجارية. وما يؤكد فرضية حصول المواطنين على مساكن خاصة في ظل الأوضاع الحالية للعقار، هو ما أوردته وزارة الاقتصاد والتخطيط في خطة التنمية الثامنة (2005-2009م) والتي أكدت انخفاض نسبة ملكية السعوديين للمساكن من 65في المائة في خطة التنمية السادسة لوزارة الاقتصاد والتخطيط إلى 55في المائة في نهاية خطتها السابعة، كما ارتفعت نسبة متوسط تكلفة إيجار المسكن إلى متوسط دخل الأسرة في المملكة من 26في المائة خلال خطة التنمية السادسة إلى 30في المائة خلال خطة التنمية السابعة. وقالت الوزارة في خطتها الثامنة إنه يوجد مواطنون لا تمكنهم إمكاناتهم من تأمين مساكن خاصة بهم، بدءاً من شراء الأرض وانتهاءً بتوفير المبالغ اللازمة لبناء المسكن. ويزداد الأمر صعوبة - بحسب الخطة- لهذه الشريحة من المواطنين نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السكنية المتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن، إضافة إلى انخفاض حجم المعروض من المساكن الواقعة في متناول القدرات المالية للأفراد. هذا في الوقت الذي يستمر فيه انخفاض عدد المساكن التي توفرها بعض الجهات الحكومية، بالإضافة إلى عدم مواكبة التمويل المتاح للطلب على قروض صندوق التنمية العقارية. وفي موضوع ذي صلة، أظهرت دراسة تعطل 40في المائة من المشروعات العقارية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء. وأوضحت الدراسة التي أعدتها شركة وهج الخليج للاستثمارات العقارية السعودية أن عددا كبيرا من تلك المشروعات والتي تعود للقطاع الخاص تعطل بسبب اختلاف العقود بين المالك والمقاول. وأشارت إلى أن تلك العقود قد أبرمت قبل بداية أزمة ارتفاع الأسعار، وحين اختلفت التكلفة مني المقاولون بخسائر كبيرة، وهو ما دفعهم للمطالبة بتغيير العقود المبرمة بشكل يتناسب مع التغيرات السعرية التي يشهدها القطاع. وشهدت أسعار الحديد والنحاس والأنابيب المعدنية والبلاستيكية ارتفاعات متفاوتة وصلت إلى 50بالمائة في حالات عدة. وقدرت دراسة أخرى عدد المشروعات العقارية في السعودية بما يزيد على 1030مشروعا، وقدرت قيمة تلك المشاريع بحسب الدراسة التي أعدتها شركة "بروليدز" الاستثمارية بما يتجاوز عن 1.1تريليون دولار. وقال تقرير شركة المزايا أن التضخم بات من أبرز القضايا التي تشغل بال الساسة وصناع القرار في دول الخليج بعد أن تصاعدت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية مع توقعات باستمرار تحقيق معدلات مرتفعة في الشهور المقبلة نتيجة لعوامل داخلية وخارجية. وبين التقرير أن ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الأولية الخام والسلع والخدمات بالتأثير المباشر سيكون لها دور كبير في وضع ضغوط على مستويات الأسعار والتضخم في المنطقة، والدخول في حلقة مفرغة من العوامل المترابطة التي سيكون لها أثر مضاعف على التضخم. ففي أميركا، رصد اتحاد العمال إلى ان أسعار مواد البناء ارتفعت إلى أكثر من ضعف معدل التضخم ومن المتوقع أن ترتفع بما بين 6و8% سنويا بحلول نهاية عام 2008بالمقارنة مع معدلها في 2007بمعدل أقل من 3%، مدفوعة بارتفاع أسعار وقود الديزل والحديد والصلب وباقي المواد الأولية، عدا عن الارتفاع في العمالة والمقدر بنحو 5بالمائة فوق مستويات التضخم سنويا، حيث من المتوقع أن ترتفع تكاليف الإنشاءات في الولاياتالمتحدة بما فيها تكلفة العمل بمعدل أسرع من التضخم في الأعوام المقبلة وخاصة فور انتعاش قطاع بناء المنازل من جديد بحسب اتحاد المقاولين الأميركيين. ولفت الاتحاد إلى ان أسعار مواد البناء في الولاياتالمتحدة ارتفعت إلى أكثر من ضعف معدل التضخم ومن المتوقع أن ترتفع بما بين 6و8% سنويا بحلول نهاية عام 2008بالمقارنة مع ارتفاعها في 2007بمعدل أقل من 3%. وتوقع أيضاً أن تتقلص أعمال اكبر في القطاع خاصة في المشروعات العامة التي تنقصها المرونة في زيادة التمويل، آملاً أن تكون الزيادة تدريجية وان تصبح الجهات الحكومية أكثر واقعية بشأن تحديد التمويل في قطاع الإنشاءات الذي ترتفع تكاليفه. ولاحظ التقرير أن الارتفاعات المتوالية في أسعار مواد البناء يوازيها ويصاحبها ارتفاع مستمر في أسعار المحروقات وخصوصا الديزل، حيث أصبح المقاولون يحتاطون لارتفاعات الأسعار بتخصيصات سعرية رفعت من أسعار المقاولات. وقال التقرير أن الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، والذي يتبع ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته عالميا، شكل تحديا كبيرا أمام المقاولين والشركات العاملة في قطاع الإنشاء والتشييد في الخليج وباقي دول المنطقة، ما أدى إلى تقليص الهوامش الربحية وتآكلها للبعض وتحقيق خسائر بالنسبة للبعض الآخر. ما دفع المقاولين إلى اعتماد آلية جديدة في التسعير تعتمد على التحوط لعوامل غير محسوبة بما يصل إلى 5بالمائة من قيمة العقد، وبالتالي التأثير على أسعار المنتج النهائي إذا ما تم إضافة التكاليف الزائدة الأخرى.