من يقرأ التاريخ الإسلامي على مر العصور والأزمان يدرك أهمية وخطورة منهج وفكر الخوارج على الإسلام وما جنته أيديهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الشرور والفتن، ولذا وصفهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، وقوله: "يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"، وقال فيهم: "هم كلاب النار"، وقال فيهم: "شر قتلى تحت أديم السماء". فتاريخهم مليء بالاساءة للامة، قتل ودمار وهدم وتشريد من أول يوم خرجوا فيه عندما قال أبوهم معترضاً وخارجاً على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم بقوله: "أعدل يا محمد"، فكانت بداية شرهم وخروجهم واعلان منابذتهم لحكام الأمة وقادتها؛ لأن المال من أهم قضاياهم التي يطالبون بها مهما تظاهروا بالزهد وادعوا الورع في ترك الدنيا وملذاتها من أموال على حد زعمهم حتى قال منظرهم في منطلقه: "المال عصب الحياة". ثم سكنت شوكتهم فظهروا في عهد عثمان رضي الله عنه لاجل المال مرة اخرى، فأصبحوا يحرضون ويوغرون العامة عليه بانه يعطي قرابته الأموال ويوليهم على الولايات حتى قاموا عليه واجتمعوا وتظاهروا عنده، زعموا مناصحته فقتلوه، وهكذا.. فهم يقتلون أهل الإسلام، فلم يسلم منهم الخلفاء الراشدون وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال سيدهم عن خلافة عثمان رضي الله عنه بانها "فجوة في التاريخ الإسلامي". فهكذا توالت وتتابعت شرورهم حتى ظهروا في عهد علي رضي الله عنه فشذوا وانشقوا ثم خرجوا عليه فأرسل لهم حبر هذه الأمة وترجمان القرآن وأحد علماء الصحابة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لمناصحتهم ومناظرتهم وهم يحتجون بالشبه من آي القرآن، ولذا وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم "بانهم يقرأون القرآن"، فهم أهل قراءة وصيام وعبادة، ولكنهم لا يفقهون ما يقرأونه لجهلهم وعدم علمهم، فليسوا علماء ولا فقهاء في الدين، فكان من شبههم قولهم: لا حكم إلا لله، فاعلنوا فيها بداية "الحاكمية" حتى اصبحوا يفسرون بها معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، فيا سبحان الله!! وما ان بدأ ابن عباس رضي الله عنهما في حوارهم وقبل أن يحصل منهم قتل أو حرب واعتداء فاذا بهم ينكرون عليه لبس الزينة من اللباس وهو يرد عليهم بقول الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق). فقراءة القرآن لابد معها من فقه في معرفة معاني الآيات لاصدار الاحكام الشرعية وبيان الحلال والحرام للناس لانهم اليوم ينادون الأمة ويطالبونها بترك الطيبات من الرزق والمأكولات ومقاطعة الاشربة والجرائد والمنتجات!! وهذا يذكرنا أيها القارئ الكريم بما حذر منه امام هذه الدعوة الامام المجدد لم اندثر من معالم الإسلام في منتصف القرن الثامن عشر الهجري الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالة مسائل الجاهلية التي خالف فيها أهل الشرك والاشراك في المسألة الثانية والثمانين عندما قال في صفاتهم: "تعبدهم بترك الطيبات من الرزق". ولقد حذر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من التشبه بالمشركين وذم خصالهم بقوله: "من تشبه بقوم فهو منهم"، فالغلو والزيادة في العبادات والتنطع في الأمور أوصل أهلها أن جعلوها من عقيدة الولاء والبراء من لم يقاطع فليس عنده ولاء وبراء، بل من حراس دول الكفر والغرب زعموا ذلك!!. أليس النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي؟؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم اشترى اغناماً من وثني ووزعها على أصحابها؟ ألم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم ابن أريقط خرّيتا له في الهجرة؟ فاتقوا الله يا من تحرمون ما أحل الله من الطيبات، فهذا قول على الله بغير علم، ونخشى أن يوصل إلى تكفير عباد الله المؤمنين بوصفهم بانهم ليس عندهم ولاء ولا براء، فالغلو طريق موصل إلى التكفير والتفجير حتى وصلت الحال بالخوارج إلى قتل خليفة المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين علي بن ابي طالب رضي الله عنه، والذي قتله أحد عُباد الخوارج ومعلم القرآن فيهم، عبدالرحمن بن ملجم الذي ارسله عمر رضي اله عنه لعمرو بن العاص وقال له: إني آثرت لك به على نفسي، فما نهاية امره؟ قتل علي رضي الله عنه وكان السلف يقولون: إذا رأيت الشباب أول ما ينشأ مع أهل السنة فأرجوه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه فإن الشاب على أول ما ينشئ". لأن الغلو بتغليب جانب الخوف على الرجاء، وتغليب آيات الوعيد والترهيب أمره خطير، لا سيما وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انما يكون على ما جاءت به الشريعة وفق الكتاب والسنة وفهم سلف هذه الأمة، لا بالثورات والانقلابات والتفجيرات والمظاهرات وجعل الأمة احزاباً وجماعات. فالمعتزلة عندما اعتزلوا وتركوا مجلس الحسن البصري - رحمه الله - جعلوا لهم اصولا يسيرون عليها منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقصدون به الخروج على ولادة الأمور، وهذا انما يحصل به سفك الدماء كما يفعل خوارج العصر في بلاد الحرمين ومأرز التوحيد والسنة ومنطلق الدعوة السلفية في العالم بالتغرير بشبابنا وغرس الشبهات في قلوبهم بدعوى القيام ب"الخلافة" المزعومة التي يلوثون بها الأدمغة والعقول بالغلو في المعاصي والمنكرات حتى جعلوها من المكفرات والمخرجات من الدين بحجة أن فعلها دليل على استحلالها مستشهدين بقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، فتضخم الذنوب والمعاصي وينفخ فيها حتى يصبح الشاب "يرى حسناً ما ليس بالحسن" فيترك بعدها عمله ودراسته بدعوى انه في "رق وظيفي" ثم يقول: "دلوني على سوق المدينة"!! فيدخل بعدها في معترك عقدي وفكري مع أهله ونفسه ومجتمعه وولاة أمره ووطنه فيشعر بأن أكثر الذين من حوله في جاهلية فتبدأ عنده العزلة الشعورية والابتعاد عن الناس والانطواء عن المجتمعات لانه في "جاهلية القرن العشرين" وان "ظل فريق منها يردد على المآذن "لا إله إلا الله" لانه لا يوجد على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه شريعة الله والفقه الإسلامي!! فتجده إذا تكلم نطق بقوله: "عندما كنا في الجاهلية"، وفي "أيام الجاهلية فعلنا كذا وكذا.." مع أن الذي عليه المحققون من أهل العلم من أن الجاهلية انتفت بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يوجد شيء من صفاتها في بعض الاشخاص وهذا لا يعمم به على الأمة بأسرها كما جاء في حديث "انك امرؤ فيك جاهلية". ثم تبدأ بعد هذه المرحلة مرحلة ترك الصلوات مع المسلمين في المساجد بدعوى انها "مساجد ضرار" عياذاً بالله من ذلك العمل!! فيتركون الصلوات في بيوت الله مع المسلمين ويصلون في المزارع - الاستراحات - بين الاشجار وصناديق التمور، ويحتجون لمن يستنكر فعلهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". فهكذا هم الخوارج كما وصفهم عليه الصلاة والسلام بقوله: "يقولون من قول خير البرية". فبعدها تبدأ عند الشباب مرحلة افرازات هذا الفكر فتبدأ حياته "الدموية" فتراه فترة وبرهة من الزمن في بيع التمور ثم الأغنام، ولكن قلبه يحدثه ويقول له: متى تفتح هذه البلاد؟؟ لانهم يهيئونه ويعدونه اعداداً ثورياً قتالياً، وإلا من كان يتوقع أن شاباً من شباب التوحيد يقتل نفسه في بلاد الحرمين بالأحزمة الناسفة في عمليات انتحارية ويعتقد انه جهاد في سبيل الله، فنسأل الله السلامة والعافية، والله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" والله سبحانه قال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). فالغلو نفق خطير إذا تربى عليه الشاب منذ بداياته وسار في سراديبه فلن تجني الأمة إلا الويلات والنكبات والحسرات، فالخوارج تورعوا من أكل التمرة ومن دم البعوض ولكنهم قتلوا الصحابي الجليل عبدالله بن خباب وبقروا بطن زوجته!! فها هم اليوم يسرقون السيارات ويفخخونها للتفجيرات بل هم الذين قتلوا المسلمين في المسجد الحرام وروعوا الآمنين وعطلوا الصلاة فيه في حادثة لم يسبق لها التاريخ لا في الإسلام ولا في الجاهلية لسيرهم على مخططات وقاعدة "فلان كافر، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر" حتى احرقوا شروحات كتب السنة كالفتح لابن حجر شرح البخاري وشرح النووي على مسلم وفي أي مكان؟ في المسجد الحرام!! بدعوى الأخذ بالدليل ونبذ التعصب المذهبي والتعصب لآراء الرجال لأنهم يبدعون هذين العالمين الجليلين، ولا غرابة من هؤلاء فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال فيهم: "يقولون من قول خير البرية". ثم انتقلوا من التكفير إلى التبديع بعد أن انكشف حالهم فقالوا اليوم: إذا بدعت شخص من الناس فانك لا تلزم بالدليل وانما عليك التقليد!! فهذا عندهم كافر والآخر عنده زندقة وهذا عقلاني وذاك مميع مبتدع ومن غلاة المرجئة، حتى جعلوا شبابنا في تيارات جارفة، وموجات هائجة، وجماعات حزبية مفخخة فمن تبليغية إلى اخوانية، ثم حدادية تكفيرية، فبعدها انقلابات واختطافات فتفجيرات نارية. واليك أخي القارئ المبارك ما ذكره سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - عن هذه الحادثة الشنيعة والفعلة السيئة في كتابه "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (90/4) عندما قال: لقد حصل بهذه الحادثة الشنيعة ظلم كثير وفساد عظيم وبلاء كبير ولا نعلم انه مر بالمسجد الحرام مثل هذه الحادثة لا في الإسلام ولا في الجاهلية. (أه) وهذا يذكرنا بما ذكره الامام البريهاري في شرح السنة عندما قال: (اعلم أن الاهواء كلها ردية تدعو كلها إلى السيف) أخي الشاب المبارك يا من تحب الخير وتسعى لفعله وترجو ثواب ربك عز وجل هذه كلمات كتبتها تذكيراً لك ونصحاً لله عز وجل لأننا أصبحنا اليوم مستهدفين في ديننا وعقيدتنا وامننا وحكامنا وشبابنا لانهم يريدونك أن تكون أداة من ادواتهم للقيام بمخططاتهم وغاياتهم السيئة وذلك بزعزعة الأمن والقيام بالفتن والاراجيف وعمل القلاقل للخلق وقتل رجال الأمن والمعاهدين والمستأمنين. أيها الشباب اتركوا السلاح وارجعوا إلى طريق الحق ووسطية الإسلام بسلوك منهج سلف هذه الأمة، ولن تجدوا إلا خيراً بإذن الله عز وجل، وأوصيكم ونفسي بقراءة كتاب له الأهمية الكبرى في معرفة هذه الحقائق لتزدادوا نوراً وبصيرة في دينكم، ففيه علاج لأمور الساعة من الفتن التي جرفت من جرفت من الشباب، هذا الكتاب هو (الإرهاب وخطره على الأمم والمجتمعات) لصاحب الفضيلة الشيخ العلامة - زيد بن محمد المدخلي - حفظه الله وشفاه - فهو من أفضل الكتب وأنفسها في كشف هذه المخططات السيئة والتي أبعدت شبابنا وصرفتهم عن الحق لا سيما وأن مؤلفه من العلماء الذين حاربوا الإرهاب منذ زمن قديم، فألف هذا الكتاب نصحاً للشباب من الوقوع في هذه الأفكار منذ ما يقارب عشر سنوات تقريباً.