كتبت مقالا قبل ما يربو عن الشهر معنوناً ب (اسأل مجرب) تناولت فيه معاناة صديقي وتجربته الطبية التي عاشها مع الطنين لمدة سنة، تنقل فيها بين الأطباء ولم تصل محاولاته الى نتيجة حتى يسَّر الله له تشخيص مرضه بنفسه. دعوتكم حينها لكي نتواصل وقيض الله لنا استقبال تلك الرسائل. ذهلت وأعجبت بذلك التواصل. أما ذهولي فكان لكثرة تلك الرسائل والشكاوى التي وردتني من الأخوة والأخوات الذين يعانون من نفس المشكلة وقد تستغرب أن شكوى بعضهم قد تجاوزت الخمسة عشر عاماً. أما إعجابي فكان لتلك الايجابية المسطرة في بعض الرسائل التي أبدى أصحابها رغبتهم بعرض تجربتهم لا يدفعهم إلا حب المساعدة للآخرين ورجاء الأجر والثواب. كلمات جميلة وشعور رائع تجسدت بين ثنايا أسطر تلك الرسائل شكراً على نشر هذه التجربة، ودعوات تلمس فيها الصدق تعطر تلك الرسائل، ولعلي استهلها برسالة الأخت أم عبدالله حيث زينت رسالتها بكلمات جميلة رسمت فيها أروع الصور لمعاني البر فقد كانت والدتها تعاني منذ سنوات عديدة من تلك المعاناة، كان حرصها شديداً وإصرارها ملحا لمعرفة السبيل والعلاج وتفاصيل تلك التجربة وكأن من يعاني من تلك الأوجاع هي نفسها، كان تجاوبها وتفاعلها مع رسائلنا وردودنا رائعا ولافتا للنظر واحسب انه لا يدفعها لذاك سوى بر والدتها اسأل الله ان يبلغها الأجر وان يرزقها بر أبنائها. أما الأخت عبير فقد صورت معاناتها بصورة مختلفة وتتلخص بصعوبة قدرتها لترجمة آلامها لمن حولها حيث جاءت التجربة وكأنها تصف حالتها بالتحديد. الرسائل كانت كثيرة ولعل ابلغ رسالة كانت من أخت فاضلة لعلي ارمز لاسمها ب ر. م. م بناء على طلبها وسأورد رسالتها كما وصلتني دون تغيير لأن وصفها لمعاناتها ابلغ من أن أضيف أي تعليق وأحسب انها شرحت الأعراض والاسباب واختتمت بالعلاج فلعلي أقدم لكم رسالة أختي: أخي العزيز السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ها أنا اكتب لك تجربتي لعلها تكون مفتاحا لشفاء الآخرين، فلقد كنت طالبة في الجامعة تحت احد الاقسام الطبية ومع الضغط والتوتر والعمل المتواصل ابتدأ الصداع، وبعد استشارات عدة وشكوك بين ضغط او مرض قلب او خلل في الكلى عجز زملائي الاطباء في نفس المستشفى الذي كنت أتدرب فيه عن تشخيص سبب تعبي الدائم وصداعي الذي يرافقه غثيان معظم الاوقات بعد ان كانت صحتي ممتازة ونشاطي وحماسي سمة مميزة لي. أصبحت حادة الطبع بعد ان كنت هادئة، قل صبري المعروف عني وضاقت نفسي فترة طويلة دامت طول فترة تدريبي السريري بعد تخرجي من الجامعة.. حتى بدأت الأصوات توشوش (ولم أجد أفضل من هذا الوصف) طيلة يومي، وتمنعني من النوم اومشاركة الأهل والاصدقاء في المناسبات الاجتماعية او حتى التركيز خلال العمليات الجراحية او تشخيص مرضاي.. هنا ادركت ان الموضوع تفاقم وخرج عن السيطرة. قصدت طبيب الاذن والانف والحنجرة باكية، يائسة، متوترة.. ولك ان تتخيل بقية الاحاسيس المصاحبة لصوت يوشوش في رأسك طوال الليل والنهار باختلاف حدته!. لم تتبق اشعة الا وعملتها ولا تصوير او تشخيص الا عملته وبعد فترة من التحويلات بين الاطباء.. قصدت استشاريا صغيراً متخصصا في الاذن، مشككة في قدراته، لأننا عامة نقصد الاطباء ذوي الخبرة الطويلة.. المهم من أول زيارة حولني على الأسنان.. فإذا بي ابتسم وبكل احترام أيقنت ان هذا الدكتور (ما عنده سالفة كما نقولها بهلجتنا العامية) فأسناني لا تشتكي من تسوس او التهاب! فما عساه يكون دخل هذا بذاك!! جاء هذا التفكير مني وأنا خريجة العلوم الطبية التي تعي معنى ارتباط اجزاء الجسم بعضه ببعض.. فكيف للعامة أن يفكروا!. زيارة واحدة لطبيب الأسنان المتخصص بإمراض الفك.. كانت كفيلة لصنع الواقي الليلي المتوفر بعدة أشكال مريحة منها ما البسه في النهار وأتكلم بدون أن يعيقني ولله الحمد والشكر عدت طبيعية، لاحظ الجميع مدى ارتياحي مع نفسي مجدداً بعد أن مرت عليَّ فترة لم اعد فيها أطيق جسدي الذي يحتويني!. باختصار هذه قصتي.. بعد سنين معاناة حلها طبيب الأسنان. أخي الكريم اكتب اليك، ربما لتقديري الشديد لتسليطك الضوء على هذا المرض الذي يستهين به الناس ولكن الله وحده عالم لما سببه لنا من معاناة نفسية قبل الجسدية أصبحت انصح كل من يشتكي بمرض او صداع او طنين فحص فكه لعل وعسى يجد العلاج الشافي. كتبت اليك لعل قصتي تكون سببا في راحة غيرنا من معاناتهم.. أسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه. انتهت رسالة اختنا الرسالة أحسبها وكما أسلفت كافية وافية فقد اوضحت ان التوتر والاجهاد وكما ذكرنا في مقالتنا السابقة هو السبب الرئيسي، وتبقى الأسنان هي مكمن العلاج. وان كان هناك العديد من النصائح والتوجيهات التي باتباعها قد تكون سببا بعد توفيق الله للشفاء وقد لا يحتاج المرضى الى الواقي الليلي ولعل المجال هنا لا يسمح بالحديث عنها. قبل أن اختم أود القول ان الغرض من سردي لذلك التواصل مرادي منه التأكيد على أن الجميع يرغب في فعل الخير وانه متى ما أعطي أحدنا الفرصة وأدرك حاجة غيره لم يتوان عن تقديم الخدمة لمَ لا فتلك غريزة وجبلة وما احسب ذاك الا مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم او كما ذاك (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (صحيح مسلم). وقبل ان اودعك قارئي العزيز اعتذر على اطالتي وتبقى الدعوة للتواصل لا تزال قائمة لمن يرغب مع تمنياتي للجميع بالصحة والعافية. ولعل أجمل ما تقف عند اسطري حديث سيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكلماته الكافية حيث قال رسول (صلى الله عليه وسلم): "أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال الى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم او تكشف عنه كربة او تقضي عنه دينا او تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب الى من أن اعتكف في المسجد شهراً الى آخر الحديث".