جاءت موافقة مجلس الوزراء الأخيرة على إنشاء الوقف الصحي لتقص الشريط لبداية تعاون بناء بين القطاع الخيري والقطاع الصحي، وفكرة التعاون كانت قد تبلورت في عام 2004عندما وقع وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد رئيس مجلس الاوقاف الاعلى الشيخ صالح بن عبدالعزيز ال الشيخ ووزير الصحة الدكتور حمد عبدالله المانع مذكرة تفاهم لانشاء صندوق الوقف الصحي. وفي عام 2005رعت مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض مؤتمراً دولياً لاقتصاديات الصحة والوقف الصحي تحدث فيه كل من الوزيرين السابقين عن أهمية الوقف الصحي ودوره في تعزيز الصحة في المجتمع. وتكمن أهمية الوقف الصحي في استفادته من القيم الإسلامية التي تحث على التبرع والتعاون البناء بين أفراد المجتمع ومساعدة الغني للفقير وتحويل عوائدها إلى إطار عملي يخدم جانبا من جوانب أفعال الخير وهو تقديم الرعاية الصحية للمحتاجين لها. بعد الموافقة الأخيرة يأتي الدور الهام الآن في التنظيم والتخطيط للاستفادة من ريع هذا التوجه الرائد وتوظيفه التوظيف الصحيح الذي يمنع الهدر المالي ويحقق أقصى الفوائد المرجوة بأقل التكلفة. وكل مشروع يحتاج في بداياته إلى المتخصصين القادرين على وضع السياسات والأهداف العريضة للمشروع والإجراءات التفصيلية لضبط سير العمل حتى يكون لدى العاملين في هذا المشروع الرؤية والتصور الواضحين وتقل بذلك الأخطاء التي قد تؤثر على سير المشروع وديمومته. وفي العالم تجارب عديدة لمستشفيات أقامتها كنائس وجمعيات دينية مختلفة لكنها اضطرت لإقفال أو بيع أو دمج مشاريعها مع مؤسسات ربحية نتيجة عدم قدرتها على إدارة هذه المشاريع الصحية الخيرية وأدى سوء الإدارة إلى عدم التحكم في تكاليف التشغيل السنوي الذي تجاوز الميزانيات المرصودة وأرهق مصادر التمويل المحدودة. إن نجاح الوقف الصحي يعتمد على القائمين على إدارة المشروع بشكل أكبر فنجاحهم الذي ستظهره التقارير الدورية سوف يؤدي إلى زيادة الداعمين وثقتهم المطلقة في إمكانيات وقدرات المسؤولين عن تحويل أوقافهم وصدقاتهم الجارية إلى خدمات صحية يستفيد منها المرضى من المحتاجين والفقراء. ومن مقومات النجاح التواصل الفعال مع الرأي العام والمنفقين لإطلاعهم على المشاريع الصحية الخيرية التي أقيمت عن طريق الاستفادة من الوقف، ونشر تفاصيل التخطيط والتنظيم لهذه المشاريع سواء كانت مستشفيات أو دعما ماليا لتمويل علاج الفقراء أو شراء لأجهزة طبية إلى غير ذلك من أبواب الانفاق الصحي المشروع. ونشر الميزانية السنوية للجهة المسؤولة عن تنظيم الوقف الصحي حتى يطلع الجميع على ما تم تحصيله وصرفه. إن توفر المعلومة الكاملة مهم جداً في بناء الثقة المتبادلة بين أطراف الوقف الصحي وستعزز وجوده في المجتمع وتكسبه ثقة الناس فيه كوسيلة لفعل الخير وملاذاً لمن لم يستطع الحصول على الخدمة الطبية المناسبة. والحاجة ملحة الآن إلى تأهيل كوادر في مجالات اقتصاديات الصحة والوقف الخيري والإدارة الصحية حتى يتسنموا زمام المبادرة، فالمجالات الثلاثة هي العصب الرئيسي المعرفي الذي سيقود المشروع نحو النجاح واعتماده على المبادرات الشخصية من غير المتخصصين سيؤدي حتى مع إخلاص أصحاب هذه المبادرات إلى وأد المشروع في مهده. ولأن الوقف الصحي غير مطروق سابقا فإن من الأفضل استغلال البعثات الحالية في ابتعاث أصحاب الخبرات السابقة لدراسة هذه المجالات والاطلاع عن قرب على التجارب العالمية الناجحة في مجال الرعاية الصحية التطوعية أو الخيرية. وأتمنى من رجال الأعمال المساهمة في نجاح الوقف الصحي ودعم القطاع الصحي الخيري الذي يعد من مجالات أفعال الخير المهمة لإسهامه في تخفيف آلام المرضى وزرع البسمة على وجوه من يعولونهم، ولرجال الأعمال وأهل الخير في البلد مواقف كثيرة في مجال التبرع للأعمال الصحية الخيرية والتي تنوعت أشكالها من شراء الطائرات إلى الأجهزة الطبية والتكفل بعلاج المرضى في الداخل والخارج. والآن جاء الجسم التنظيمي الإداري المهيأ للاستفادة المثلى من هذ الدعم السخي وأرجو أن يكتب الله له النجاح.