رغم علمه، إلا أنه لا ينادى بالشيخ، فيما تلامذة تلاميذه يتصدرون المشهد المحلي متلحفين هذا الوصف الفضفاض، في حالة من المبالغة المستمرة. هو صاحب الاسم "محمد أحمد الراشد"، الذي ملأت مؤلفاته المكتبات، وأحد أهم مصادر النقل المعرفي في مسيرة "الإخوان المسلمين". عراقي يكمل عامه السبعين في عامنا هذا، بعيداً عن بلاده. اسمه الرسمي عبدالمنعم صالح العلي العزي، وقد اختار تسمية مستعارة تتماشى مع المجتمع الخليجي، الذي انشغل به أكثر من انشغاله ببلاده، كحال الشيخ "الإخواني" الآخر عبدالله عزام، في انشغاله بقضايا الآخرين وإهمال قضيته الأولى؛ فلسطين. المربي محمد الراشد هو الأب الروحي لمنتسبي فكر "الإخوان المسلمين" في الخليج خاصة، والعالم الإسلامي عامة. المنتسبين منهم والمنتظمين. هو رجل يبرز كتربوي صرف، من خلال كم الإنتاج المعرفي الذي يملأ أرفف المكتبات والمدارس، لكنها تربية الجماعة؛ التربية القائمة على تأسيس وتثبيت جماعة فكرية منظمة ومتراصة الصفوف. لذا نجد، حتى خصوم "الإخوان"، وهم "السروريون" لا يتحرجون من المشي وراء أفكاره، لفاعليتها ونجاحها المثير، والحال في الكويت لا يفوقها مثال. قصة الراشد بدأت حين فر من العراق إلى الكويت العام 1971، ليسهم في جمعية الإصلاح الاجتماعي، الناشرة لمجلة "المجتمع"، مطبوعة "الإخوان" الأولى. وبعد مضي أكثر من عقد، انتقل إلى دولة الإمارات، ساعياً إلى تكريس التجربة الكويتية، والتي قد بدأت فعلاً قبل وصوله بسنوات، من خلال تأسيس جمعية أخرى، وإصدار مجلة أطلق عليها اسم "الإصلاح"، التي تجاوزت "المجتمع" في سرعة الانتشار، وكانت المنهج الإعلامي الرسمي لفكرهم، والمنبر الشديد التأثير في الساحة، لكن الحالة الاجتماعية والسياسية في الإمارات لم تمهله طويلاً، ليسجن أكثر من عام لدى "أمن الدولة"، بتهمة الشروع في تأسيس تنظيم محلي ل"الإخوان المسلمين". ومن بعدها غادر إلى غير بلد حتى استقرت به الحال في ماليزيا. يمكن الجزم أن معظم نجوم "الصحوة" في الثمانينيات في السعودية هم من تلامذته، الذين استفادوا من نهجه في التربية الفكرية التنظيمية، ويحق لي المبالغة بلا حرج من القول: .. بل جميعهم! هذا الرجل التربوي التنظيمي، الذي بالغ في اختراق المجتمع الخليجي والسيطرة على تياراته الإسلامية الفكرية، بمن فيهم خصومه الإسلاميون، لم يسجل له بعض الحضور في شأن بلاده العراق، الواقع تحت الاحتلال. نجده منسحباً بشكل غير مفهوم. ولا أظن عامل السن يبرر هذا الإهمال الحاصل، مع أني لا أنكر عودته إلى العراق فور وقوع البلد تحت الاحتلال، لكنه لم يمكث طويلاً، فغادرها، وأغلق ملف شأنها من اهتماماته. الراشد، الذي مازال مرجعاً ل"الإخوان"، الذين يقصدونه باستمرار حيث يقيم في قطر، لا يأتي على العراق في أزمته منذ الحصار إلى الاحتلال إلا بالنزر اليسير، وحزبه القائم هناك على عكازين، "الحزب الإسلامي"، أقصاه بطريقة مثيرة للشفقة، رغم انتسابه الرسمي له منذ عقود، ورغم ثقتي بأن لدى الرجل الكثير ليخدم وطنه وحزبه، مثلما تمكن من صناعة هذه التيارات الإسلامية في الخليج، وهو الذي تنبأ قبل الاحتلال بحل الجيش العراقي فور سقوط النظام.