جاءت ردود الفعل إزاء الخطة التي كشف عنها الرئيس الفرنسي أمس الأول الجمعة حول سبل تحسين ظروف المهاجرين أو الفرنسيين من أصول أجنبية والمقيمين في ضواحي المدن الفرنسية الفقيرة متفاوتة. فإذا كان البعض يعتبرها إيجابية وقادرة على الإسهام في تسوية المشاكل التي يعاني منها سكان هذه الضواحي فإن البعض الآخر يراها غير مجدية أو على الأقل غير كافية. وقبل استعراض أهم ردود الفعل هذه لابد من استعراض أهم الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس نيكولا ساركوزي يوم الجمعة في قصر الإيليزيه حيث دعي قرابة ألف شخص يمثلون في أغلبهم شبان الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن الفرنسية الكبيرة وممثلي الجمعيات والمنظمات الأهلية والمؤسسات التي تسعى إلى مساعدة سكان الضواحي الفرنسية الفقيرة على تسوية مشاكلهم الأساسية. فقد ذكر الرئيس الفرنسي بأن الخطة التي أعدتها الحكومة الفرنسية في هذا الصدد تهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض هي مساعدة سكان الضواحي الفقيرة على الحصول على مواطن عمل والانخراط في المجتمع بشكل أفضل مما هو عليه الأمر اليوم والعمل على مساعدة تلاميذ المدارس الواقعة في هذه الأحياء على مواصلة تعليمهم وتجنب مشكلة التسرب وأخيرا السعي إلى تحسين ظروف العيش في هذه الأحياء على نحو يجعلها غير مهمشة. الإجراءات الأساسية قال الرئيس الفرنسي إن الحكومة ستعمل على إنشاء عشرين ألف موطن عمل في غضون السنوات الأربع المقبلة بهدف مساعدة سكان الضواحي الفقيرة في فرنسا على تحسين ظروفهم المعيشية. وأضاف يقول إن الدولة ستوفد بدءا من شهر سبتمبر المقبل ممثلين ينوبون عنها في ثلاث مائة وخمسين حيا من هذه الأحياء الفقيرة وينقلون إلى الحكومة والسلطات المختصة طلبات السكان حتى يستجاب إليها بشكل سريع. وفي هذا الإطار أكد أن الدولة ستتعهد بتسديد نفقات الخدمات التي تقدمها المنظمات الأهلية لمساعدة سكان هذه الأحياء على الاندماج في المجتمع وذلك في وقت سريع: بل إنه تعهد بألا تتجاوز هذه المدة يومين اثنين بالنسبة إلى النفقات التي ليست فيها مبالغ ضخمة. وهذا من شأنه حسب الرئيس الفرنسي فتح شراكة جديدة بين الدولة والجمعيات. وأكد ساركوزي أن الدولة حريصة على مساعدة سكان ضواحي المدن الفقيرة على التنقل عبر وسائل النقل العامة على نحو يساعدهم على الخروج من مواطن سكناهم والذهاب إلى مدن وضواح أخرى الأمر الذي يسهم في رفع العزلة عنهم وفي مساعدتهم على الحصول على مواطن عمل. وأوضح أن مبلغا قدره خمس مائة مليون يورو سيخصص لهذا الغرض. وقال الرئيس الفرنسي إلى أنه سيبذل قصارى جهده حتى يدرج مبدأ تعددية المجتمع الفرنسي في الدستور الفرنسي. وفي مايخص مساعدة أطفال الضواحي الفقيرة وشبانها على الحصول على مواطن عمل وعلى مواصلة تعليمهم قال نيكولا ساركوزي إنه سيصار إلى استحداث عقود تسمى "عقود الاستقلال الذاتي". وهي عقود تتولى الدولة الفرنسية بموجبها الوقوف إلى جانب هؤلاء الشبان طوال ثلاث سنوات حتى يعثروا على مواطن عمل من خلال تمكينه من دورات تدريبية تؤهلهم لذلك. وقال إن عدد الذين سيستفيدون من هذه الخدمة يقدر بنحو خمسة وأربعين ألف شاب. وستعمد الدولة الفرنسية أيضا في هذا السياق إلى تخصيص قرابة أربعة آلاف مكان في المدراس والمعاهد الناجحة في فرنسا لشبان يأتون من الضواحي الفقيرة لمساعدتهم على الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا التي يقصدها عادة أبناء الأسر الموسرة. ومن الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها ساركوزي في هذا الإطار نشر أربعة آلاف شرطي إضافي في الأحياء الفقيرة وتعزيز الحضور الأمني فيها. انتقادات وبقدر ما قوبل مشروع الرئيس الفرنسي بشيء من الارتياح لدى الحزب الحاكم بقدر ما انتقدته المعارضة وشخصيات عديدة تعنى عادة بالمشاكل المتصلة بظروف الحياة في أحياء المدن الفرنسية وضواحيها الفقيرة. فقد أعربت هذه الشخصيات عن خيبة أملها في طبيعة كثير من الإجراءات التي جاءت أقل بقليل من هموم سكان الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن الفرنسية. ويقدر عدد هؤلاء السكان بخمسة ملايين ساكن. ورأى كثير من شبان الضواحي الفقيرة أن الاعتبارات الأمنية لاتزال تتحكم في الموضوع. وقال المسؤولون عن المنظمات الأهلية إن الموزانة المخصصة للموضو ع أقل بكثير مما كان قد أعلن عنه سابقا. ويرى المحللون أن الرئيس الفرنسي اضطر إلى التشديد على الجوانب الأمنية في الخطة الحكومية بسبب اقتراب موعد الانتخابات البلدية المقرر تنظيمها الشهر المقبل والتي تعتبر عمليات سبر الآراء أن الحزب الحاكم لن يكسبها. ويرون أن وراء التشديد على الظروف الأمنية في الأحياء الشعبية رغبة لدى الرئيس الفرنسي في التقرب من ناخبي الحركة اليمينية المتطرفة والذين صوتوا له خلال الانتخابات الرئاسية الماضية.