أخيرا بدأت أسعار الأرز في الأسواق العالمية تلتهب. وينتظر أن تتدارك في الأشهر المقبلة تأخرها النسبي بالنسبة إلى أغلب الحبوب الأخرى المستخدمة للتغذية الإنسانية والحيوانية. وإذا كان معدل الطن الواحد من الأرز في هذه الأسواق لايزيد في أقصى الحالات عن أربع مائة وعشرين دولاراً خلال النصف الأول من السنة الماضية، فإنه ارتفع خلال الأشهر الماضية الستة إلى مايزيد عن خمس مائة دولار. ومن حق القراء أن يتساءلوا عن الأسباب التي جعلت أسعار الأرز تتأخر بعض الشيء عن أسعار الحبوب الأخرى في الأسواق العالمية وأن يطلعوا أيضا على الأسباب التي جعلت أسعار الأرز ترتفع فجاة في خلال الأشهر الستة الأخيرة. الماء وهمّ الأمن الغذائي والحقيقة أن هناك عوامل كثيرة جعلت أسعار الأرز تتخلف بعض الشيء عن أسعار الحبوب الأخرى في الأسواق العالمية من بينها طبيعة زراعة الأرز بالقياس إلى مزروعات الحبوب الأخرى . فالأرز يحتاج إلى كثير من الموارد المائية حتى ينبت. وبالتالي فإنه يعد من المزروعات الأولى التي تعتمد على الري وليس من الزراعات المطرية التي يزرعها صاحبها وينتظر هطول المطر. فإذا هطل في فترات محددة جاءت المحاصيل وافرة وإذا لم ينزل في تلك الفترات فإن المحاصيل تقل أو تكون منعدمة في سنوات الجفاف القاسية. ومن كبار منتجي الأرز ومصدريه بلدان شرقي آسيا. بل إن تايلاند تأتي في صدارة البلدان المصدرة للأرز في العالم. وتعد باكستان والهند البلدين الأساسيين اللذين يتحكمان في أسواق الأرز العالمية لأنهما يشكلان في الوقت ذاته معينا هاما للإنتاج والتصدير والاستهلاك. ولابد من التذكير أيضا بأن بلدانا كثيرة في العالم منها بشكل خاص بلدان إفريقيا السوداء حيث يعد الأرز عامود الوجبات الغذائية الأساسية سعت في السنوات العشرين الأخيرة إلى بذل جهود كبيرة لتقليص الاعتماد كليا على استيراد الأرز وتشجيع مزارعيها على رفع الإنتاج والإنتاجية. وقد أدت كل هذه العوامل إلى بقاء أسعار الأرز متخلفة عن الحبوب الأخرى في ما يخص ارتفاعها غير المعهود انطلاقا من السنة الماضية بشكل خاص. أما في مايتعلق بأسباب تزايد وتيرة أسعار الأرز في الأشهر الأخيرة فيعزى إلى مخاوف المستهلكين في العالم من حصول أزمة تموين لاسيما بعد أن "اشتعلت" أسعار معظم المنتجات الزراعية في العالم. وقد دفع ذلك مستوردي هذا المنتج الغذائي إلى استباق تزايد وتيرة أسعاره ورفع الطلب عليه. وهي عملية أسهمت على عكس ما كان يتوقعه أصحابها في استمرار ارتفاع الأسعار. ويعزى الأمر أيضا إلى أسباب أخرى منها عدم وجود الضمانات الأمنية الكافية بالنسبة إلى الشركات التي تنقل الأرز من مزارعه أو مخازنه في بعض البلدان المنتجة الكبيرة إلى الموانئ التي يسوق منها إلى العالم. وهو حال باكستان مثلا حيث تأزمت الأوضاع الأمنية الداخلية وأصبح سواق الشاحنات المعدة لنقل الأرز يرفضون في كثير من الأحيان المجازفة بحياتهم. وإذا كان ثمة أمل في أن تنخفض أسعار الأرز يوما ما فإن الصينيين والهنود هم القادرون أكثر من غيرهم على تحقيق هذا الأمل من خلال التحول الذي تشهده اليوم عاداتهم الغذائية. فالمنتمون منهم إلى الفئات المتوسطة والموسرة أصبحوا يرغبون في محاكاة الغرب في تنويع عادات الأكل وعدم الاقتصار على الوجبات التقليدية . ومن ثم فإن هناك اليوم طلباً متزايداً على القمح في هذين البلدين مما يساهم في حد ذاته في رفع أسعار هذا المنتج الآخر من المنتجات الزراعية. ولابد من الإشارة ايضا إلى أن عددا من البلدان الأوربية المنتجة للأرز والتي هي غير قادرة على منافسة البلدان الآسيوية لاسيما في مايخص الأسعار قد اتجهت منذ فترة غير قصيرة إلى إنتاج فصائل من الأرز ذات مواصفات خاصة وجودة عالية انطلاقا من ذوق هؤلاء المستهلكين أو أولئك. وهو مافعلته إسبانيا مثلا حيث أصبحت متخصصة في إنتاج الأرز الأسمر الغني بالألياف والذي يزرع في سهول تقع بين الجبال. وهناك في باريس بعض المطاعم المتخصصة في إعداد هذا الضرب من الأرز يقبل عليها الزبائن المولعون بأكل الأرز. والملاحظ أن العرب هم الذين أتوا بالأرز إلى أوروبا عبر الأندلس في القرن التاسع حسب التقويم الميلادي.