كجزء من رسالة الدكتوراه عن الإعلام السعودي في عصر العولمة التقيت بعدد كبير من الصحفيين والمحررين ورؤساء التحرير للتعرف على أسباب هجر المواطن السعودي لإعلامه. لا أخفي عليكم أني فوجئت بوعي الصحافيين السعوديين بأهمية تطور الصحافة السعودية لتواجه هذا السيل الذي لا ينقطع من وسائل الأخبار والمعلومات القادمة التي تملأ سماءنا. فعرفت أن المشكلة ليست في الصحافة ولا الصحافيين. لذلك حملت حقائبي وذهبت لوزارة الإعلام لأعرف أسباب ضعف الإعلام السعودي. أجريت لقاءات مع متخذي القرارات الإعلامية في الوزارة. فازدادت حيرتي وتلخبطت أوراقي، فمسؤولو الوزارة أكثر وعياً من الصحفيين.. ولديهم إيمان بأن الإعلام السعودي يجب أن يتغير ليستطيع منافسة القادمين من الفضاء.. الغريب أنهم أكدوا أن زيادة مساحة الحرية التي أعطيت للإعلام المحلي مؤخراً لمناقشة قضايا لم تكن تناقش حتى عبر الهاتف سيتبعها المزيد من الخطوات. ولكن إذا كان مسؤولو الصحف والإعلام بهذا الوعي فلماذا يعاني إعلامنا من الضعف والوهن وضيق التنفس؟. خلال لقائي بالدكتور عبدالله الجاسر والأستاذ محمد قزاز ناقشنا بعض أسباب ضيق التنفس. لن استطيع تغطية كل الأسباب ولكني سأتحدث عن سبب واحد باعتقادي انه من أهم أسباب ضعف الإعلام السعودي.. فافتقار إعلامنا للإبداع وميله للتقليدية أفقدته الأمل في المنافسة. فمشكلة العاملين في الوسط الإعلامي من صحفيين ومحررين وكتاب ومقدمي برامج ومعدين ومخرجين انهم يؤدون عملهم بشكل روتيني يفتقر للحس الإبداعي. وكأن مهمتهم الوحيدة هي انتاج مادة إعلامية صالحة للنشر تملأ فراغ الصفحات وساعات البث ولو بأقل معايير ومواصفات الإنتاج الصالحة للاستخدام الآدمي. فأصبح الكاتب يحرص على كتابة مقاله فقط حتى لا يغيب هذا الاسبوع ولكن ماذا يكتب لا يهم، المهم أن يكتب.. ومقدم البرنامج يذهب كل يوم للتلفزيون ليقدم نفس ما يقدمه كل يوم من عشر سنوات. لم يفكر يوماً في تقديم شيء جديد أو على الأقل تعلم الابتسامة. كنت مع أحد الصحافيين عندما جاءه خبر عن ترقية موظف من مرتبة لمرتبة. فكتب الصحفي: وقد أقام أبو محمد "مؤدبة" عشاء بهذه المناسبة حضرها "لفيف" من الأصدقاء، ثلاثين سنة ونحن نستخدم لفيف أليس هناك غير لفيف. أليس هناك غير وسدد "برعونة". أليس هناك غير وأخرجها "ببراعة" وبحركة "اكروباطية". يا جماعة لقد سرق من لا مهنة له الإبداع من إعلامنا. فأصبحنا نعتقد أن الأخبار لا تصبح أخباراً إذا لم تقرأ بوجه متجهم. وأصبحنا نعتقد أن المقال الصحفي لا يصبح مقالاً إذا فهمنا مقصد الكاتب. فالكاتب الجيد في صحافتنا الذي يكتب مقالاً يأخذ الصفحة من أعلاها لأسفلها دون أن نعرف ماذا يريد صاحبنا. عندما يصبح الإعلام عادة تمارس بكل رتابة وجمود كما يمارس موظف الأرشيف الذي ينتظر التقاعد عمله فإن الإعلام يحتاج لأكثر من قيادات واعية.