كان الوزير الفارسي عبد القاسم اسماعيل يصطحب في أسفاره أربعمائة جمل تحمل مكتبته الضخمة. وكانت الجمال مدربه على المشي في نظام معين بحيث تكون الكتب مصنفة حسب الترتيب الأبجدي/ومرة أخرى حسب محتواها الأدبي... وهذا العشق - للكتب - عرف أيضا لدى الوزير الصاحب بن عباد الذي كان يصطحب في أسفاره ثلاثين جملا تحمل جزءاً من مكتبته الضخمة أينما حل (وبالكاد تخلص من هذه العادة حين أهداه الأصفهاني كتابه المعروف الأغاني)... وبالطبع تغيّر الحال هذه الأيام بفضل الانترنت والكتب الإلكترونية المدمجة.. فقبل فترة بسيطة اشتريت كتابا إلكترونيا - أحتفظ بماركته لنفسي - يتضمن هاتفا جوالا وكاميرا فيديو (والأهم) ذاكرة خرافية تتسع لقدر هائل من الكتب والموسوعات.. أضف لهذا يمكنه التواصل مع شبكة الانترنت من أي مكان حول العالم - وبالتالي الولوج لبحر لا نهاية له من العلوم والمعارف.. وفي حين كان ابن اسماعيل وابن العباد - وغيرهم من المهووسين بالكتب - يحملون مكتباتهم على الجمال لا يحمل كُويتب مثلي سوى 230غراماً من الأسلاك والشرائح المدمجة! ... ورغم اعترافي بأن الكتاب الورقي نجح - حتى الآن - في تخطي تقنيات إلكترونية كثيرة؛ إلا أن "الكتاب الالكتروني" سيتغلب عليه بالفعل في المستقبل القريب. فالبساطة والسهولة والسعر الزهيد (وأيضا الألفة والتعود) عناصر رجحت كفة الكتاب الورقي حتى الآن؛ ولكن هذه العناصر بالذات قد تكون السبب في اختفائه قريبا كون التقنيات الإلكترونية تمضي سريعا بهذا الاتجاه (في حين تبدو الأجيال الجديدة أكثر ألفة معها).. أما الحقيقه الأشد قسوة فهي أن الكتاب الالكتروني لن ينافس فقط الكتاب الورقي؛ بل سيتجاوزه ويتفوق عليه بالعديد من المزايا المدهشة... فالكتاب الإلكتروني مثلا : @ سيصغر حجمه بالتدريج لدرجة قد تلبسه حول معصمك أو تضعه كبطاقة في محفظتك!! @ ورغم حجمه الصغير يمكنه تخزين أكثر من 12ألف كتاب ورقي في كل بوصه إلكترونيه مربعة. @ وبالإضافة الى سعته الكبيرة يمكن توصيله مع الانترنت وسحب المزيد من المعلومات ذات العلاقة. @ ورغم محتواه الضخم إلا أن الوصول لأي معلومة فيه اسهل من البحث في أي كتيب ورقي صغير (بفضل محرك بحث يظهر المعلومة بطريقة آنية ودقيقة).. @ كما سيتميز بكونه ثنائي التفاعل بحيث يمكنك الإضافة والمشاركة والتأكد من صحة المعلومة... @ وهو لا يتضمن نصوصاً مكتوبة فقط؛ بل وأفلاما وثائقية، ورسوما بيانية، وتسجيلات حقيقية.. (بحيث لو كتبت كلمة هتلر مثلا تستطيع مشاهدة فيلم عنه أو سماع شيء من خطبه). @ كما يملك ذاكرة إضافية تخزن فيها ملاحظاتك ومعلوماتك الخاصة وسينبهك هو إن كان لها شبيه أو رديف في هذا المرجع أو ذاك. @ وحتى في حال (هزك الشوق) واشتقت إلى ملمس الأوراق ورائحة الحبر فيمكنك ببساطة "شبك" الكتاب الإلكتروني بأقرب طابعة واستخراج المعلومات المرغوبة على أوراق مطبوعة تحدد أنت حجمها ونوعها! ... أيها السادة... لست معادياً للكتب الورقية (التي أملك منها خمسة ونيتات) ولكنني أكاد أرى نهايتها الحقيقية خلال جيل أو جيلين.. وإن لم تصدق كلامي انظر إلى مهارة أطفالك في التعامل مع الأجهزة المدمجة لتستشف ميلهم لاستخدام الكتب الإلكترونية حال وقوعها بأيديهم!!