تبدو تجربة قناة روتانا السينمائية في عامها الثالث قد حققت الكثير من أهدافها التجارية والإعلانية، إلى جانب دخولها عالم الإنتاج السينمائي في أكثر من فيلم مصري وخليجي، وطبعا فمواصفات دعم هذه الأعمال تحكمها عدة ضوابط مهنية، ومنها على سبيل المثال أن يكون الفيلم من فئة الأفلام التي تعرض في الأعياد والمناسبات ويكون الدخول إليها ليس مرهونا بحضور الفيلم من أوله، بل يكون للجمهور الحق في فهم الفيلم في أي وقت تمكن فيه من شراء تذكرته ودخول قاعة العرض. وربما يبقى أكبر إنجاز قد تفتخر به قناة روتانا السينمائية هو إنتاجها للفيلم السعودي "كيف الحال" الذي لم يكن يحمل من هموم وانشغالات وإرهاصات السعوديين أي شيء، بل كان بكل بساطة اجتراراً عالجته الكثير من الأعمال الدرامية المحلية حتى قبل أن تظهر فكرة قناة روتانا السينمائية إلى الوجود. وطبعا لن ننسى كاتب السيناريو الذي حقق إنجازاً عظيماً يحسب للسينما المصرية، حيث أنه لم يزر السعودية إلا مرة واحدة في حياته، ومع ذلك تمكن من كتابة سيناريو يحسبه متكاملا يختصر فيه كل ما من شأنه أن يكون الهواجس اليومية للسعوديين والسعوديات. و من المفيد أن لا نتحدث عن مخرج الفيلم الذي كان دوره التقني في الفيلم أشبه بمدربي كرة القدم التي تتعاقد معها الفرق الرياضية قصد تدريبها لمقابلة واحدة فقط. ومن الطبيعي في ظل وجود جمهور عريض للسينما العالمية في السعودية على الرغم من عدم وجود قاعات للسينما، أن تكون ردة الفعل على هذا الإنتاج الذي طبلت له عدة قنوات خارجية جد سلبية، وطبعا فالسبب معروف هو أن الذين انبثقت من مفكرتهم إنتاج فيلم سعودي لم يكونوا يعلمون أن هناك الكثير من متتبعي السينما العالمية، والكثير من المدمنين على اقتناء الأفلام، والعديد من الخلايا السينمائية النائمة التي تضم الكثير من المخرجين الشباب والنقاد وغيرهم من الملسوعين بالفن السابع في السعودية، والنتيجة كانت معروفة ومتوقعة وهي أن الفيلم مات في نفس اليوم الذي عرض فيه لسبب بسيط هو أن هذا العمل بانت فيه الكثير من علامات مرض السينما المصرية الساذجة ومن الواقعي أن ينساه الناس والجمهور إلى الأبد. قناة روتانا السينمائية من خلال إنتاجها هذا الفيلم السعودي ربما كان هاجسها الأول هو الريادة والسباق المحموم حول جملة "أول فيلم سعودي"، في حين أن الجميع يعرف أن هناك مخرجاً سعودياً اسمه عبد الله المحيسن قد قدم في نفس السنة فيلما سعودياً اسمه "ظلال الصمت" وطاف به عدة مهرجانات عالمية وعربية، والأكثر من هذا فإن الرجل يعد من أول السينمائيين الخليجيين ومساره السينمائي يشهد له بكثير من المهنية والتخصص، هذا إلى جانب أعماله السينمائية والتوثيقية التي أنتج أولها سنة 1976تحت عنوان "اغتيال مدينة". وطبعاً سيبقى للجمهور الحكم في من يستحق مكان الريادة بين من كان يحفر في الصخر منذ السبعينات ومن نزل مباشرة من السماء. مسار قناة روتانا سينما في ثلاث سنوات لا يعدو في رأيي المتواضع إلى لعب دور الحارس الوفي على مستودع المكتبة السينمائية المصرية، والمساعدة على تكريس الصورة السينمائية المصرية المبتذلة مع الاحترام الكبير لكل السينمائيين المصريين الذين عودونا على القليل والجيد مع احترام ذوقنا وملامسة واقعنا وتمتيع عيوننا بفصول من الجماليات المتنوعة، وما تعرضه قناة روتانا السينمائية من منتوج سينمائي مصري يسيء في أكثريته للسينما في شكلها الفرجوي ويضع المتلقي أمام فرضية المقارنة الفنية والأدبية والتي يخرج فيها غالباً الفيلم المصري مهزوماً بالضربة القاضية حتى أمام بعض التجارب العربية الرائدة. إلى الآن لم أستسغ فكرة قناة سينمائية تعرض على مدى أربع وعشرين ساعة عدداً لا يحصى من الأفلام المصرية أغلبها شاهده الجمهور العربي وندم على حضورها، إلى جانب حلقات نقاش سميت تجاوزاً سينمائية، يناقش فيها كل شيء إلا السينما. مازالت قناة روتانا السينمائية قادرة على إعادة هيكلة برامجها، وذلك لن يتأتى إلا بإرادة تغييرية قوية، الهدف منها تنويع المعروض السينمائي من خلال إشراك كل التجارب العربية بدون استثناء واستحداث حلقات نقاش خاصة عن الأفلام المبرمجة يومياً على القناة، إلى جانب تشجيع الكفاءات الشابة وذلك بإشراكها في كل الإمكانيات التي تمتلكها القناة في سبيل تحويل أفكارها إلى أعمال إبداعية صالحة للعرض والمنافسة والانتشار، إلى جانب هذا تنظيم ورشات للسيناريو والإخراج وكل المهن المواكبة للصنعة السينمائية. @ ناقد سينمائي مغربي