عندما يواجه أي مجتمع مشكلات تمس بنيته الاجتماعية فإن السياق التربوي أو الاجتماعي الذي يكون فيه أفراده عليه جزء كبير من علة هذه المشكلات فالإنسان في أي مجتمع لا يعيش بمعزل عن هذا المجتمع بل إن كلمة مجتمع تستمد مسماها من التجمع الإنساني كما هو معروف وليس هذا بالجديد. والذي يعيد قراءة فكر مالك بن نبي سيجد أن العلاقة الجدلية بين تخلف الأفراد مستمدة من تخلف هذا المجتمع والعكس صحيح.. فما ينتشر في المجتمع من نظام وانضباط، أو من فوضى وتيه.. كل هذا يلقى صداه في نفسية وسلوك الفرد.. فالفرد والمجتمع لا ينفصلان عن بعضهما فهما يتبادلان عناصر التأثير والتأثر.. ذلك أن العلاقة التي تربط بين انعكاسات الفرد وبين شبكة العلاقات في المجتمع هي (علاقة كونية تاريخية إذ أن المجتمع يوجد الانعكاس الفردي، والانعكاس الفردي يقود تطوره) ومن هنا كانت طبيعة العلاقة السلبية التي تربط الإنسان منا بصفته فرداً بالدين وبالعمل وبالأشياء حوله، وبالأفكار تعبر عن واقع اجتماعي عام مشخص أصيبت شبكة علاقاته بالتحلل واللافعالية. ويرى مالك كيف يتم تحليل العلاقة الوطيدة بين الفرد والمجتمع فإذا ضعفت النزعة الدينية عند الفرد أي لا تتحول تعاليم هذا الدين إلى سلوك وفكر وتعامل أي ضعفت وظيفته الاشتراطية التي تحوّل هذا الإنسان إلى إنسان فاعل، فإنه سيميل إلى أن يتخلى عن الواجب والنزوع إلى الفردية وتغييب المصلحة الجمعية ويضعف العمل المشترك المنسجم والهادف والذي من شأنه أن يضمن للمجتمع استمرار سيره والإبقاء على حركته التاريخية.. وهنا يدخل هذا المجتمع في مرحلة تحلل شبكة العلاقات الاجتماعية التي هي المؤشر على تماسك هذا البناء الاجتماعي.. وعليه نجد أنه كلما زادت غلبة النزعة الذاتية على النزعة الاجتماعية زاد تحلل شبكة العلاقات الاجتماعية ونقصت (الفعالية الاجتماعية) وكلما نقص الدافع إلى العمل المشترك تقلصت الفعالية الاجتماعية وزاد النزوع نحو الفردية أي الأنانية وحب الذات.. ذلك أن النزوع إلى (الفردية) يدل على تخلي الإنسان عن التكليف الديني/ الأخلاقي المنوط به بصفته عبداً للخالق وفرداً في مجتمع.. ولهذا فإن زيادة الفردانية في مساحات أي مجتمع هي مؤشر على غياب الفعالية الاجتماعية والعمل المشترك وتحلل شبكة العلاقات الاجتماعية. ولأن مالك بن نبي يربط بين عوالم الأشخاص والأشياء والأفكار في المجتمع فإنه عندما يصف مرحلة اللافعالية الاجتماعية يربطها بتحلل النسيج الثقافي لأي مجتمع أي (تحطم) روابط هذا النسيج القائمة بين العوالم الثلاثة التي تؤلفه (عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم الأشياء) وهي التي تشكل البناء الاجتماعي لأي مجتمع.. ففي حال (اللافعالية) سنجد أن أثرها في عالم الأشخاص يتضح في الفردانية وتضخيم الذوات، وظهور الصنم أي الفرد الذي لا يمتلك سوى الخواء!! وسنجد أن في عالم الأشياء أصبح هناك (طغيان الشيء) وطلبه لذاته وليس لأهميته والاستفادة منه وأوجد أمثلة لها من تكدس السيارات أو الأجهزة الكهربائية مثلاً في المنازل وحالياً نجدها في امتلاء منازلنا بأجهزة الكمبيوتر والتلفزيونات وسواها لعدد محدود من الذين يفترض أن يستخدموها عكس ما هي عليه الحال في الدول المصدرة لنا هذه الأجهزة فلا نجد هناك (طغيان الشيء)!! أما إذا بحثنا عن أثر (اللا فعالية) في عالم الأفكار فسنجد العجز عن توليد أفكار جديدة عملية صالحة تناسب الواقع ويظهر بدلاً منها إما التشبث بكل قديم أو النقل الحرفي اللاواعي عن الثقافات الأخرى الغالبة، كما تظهر الارتجالية في الأعمال والتصرفات، ويغيب الهدف والمبادئ الأخلاقية، والذوق العام، والمنطق العملي .. وبصفة إجمالية تغيب المبادئ المنظمة والموجهة، فتعم الفوضى والعشوائية وتسود الرداءة، وهو الأمر الذي يصبح معه أي عمل مشترك صعباً أو مستحيلاً. وفي هذا المناخ تتعاظم (الذَّرية) وهي تعني عدم القدرة على إدراك الأشياء والأحداث في صورة كلية شاملة تربط بينها صلات فيتم تناولها على هذا الأساس كوحدات مجزأة ومنفصلة عن بعضها البعض بعيداً عن وجود أية علاقات تجمعها الأمر الذي يصبح معه إصدار أي حكم صحيح على الواقع مستحيلاً ومن هنا - كما يرى مالك - يتم تناول أي مشكلة كأجزاء مبعثرة (تبعاً لطوارئها العاجلة على الحياة اليومية ومن دون نظر شامل يحدد منذ البداية الهدف والمرحلة والتوقيت والوسائل).. وبالتالي تكون النتائج والحلول المقدمة غير فعالة، فيضيع الجهد والوقت والمال فتتراكم على إثر ذلك المشكلات وتتعقد أكثر.. ويدخل المجتمع أكثر في التخلف.