لا تندهش ولا تذهب بك التخيلات بعيداً..بل لا تعتبر ما يحدث ويجري من قبيل المفاجأة إذا ما قرأت عبر الصحف أوسمعت من وسائل الإعلام أوشاهدت أخاً أو قريبا أو زميلا أو صديقا قد نال دون سابق إنذار الشهادة العالية "الدكتوراه" من جامعة "ما" في بلد "ما" وربما من جامعة "ما" في بلد "غير معلوم" .. وكأننا نقول جامعة معلقة في الهواء..أو من تلك الدكاكين المنتشرة في بعض شوارع مدننا الرئيسية. بضعة أشهر كافية جدا وحسب نظام جامعات "الدفع السريع" للحصول على هذه الشهادة العالية وبالتالي امتلاك المراد وهو حرف "الدال" والذي أصبح مهوى أفئدة الكثيرين من الباحثين عن "المنظرة" والنفخة الكاذبة على حساب الجوهر..فالمهم الحصول على هذه الشهادة بغض النظر عن إمكانية الاعتراف بها من عدمه وذلك لاستخدامها لأغراض مظهرية..والتزين بها والاستفادة منها كجواز مرور للحصول على المزيد من المزايا وبالذات في المجال الوظيفي. الشهادة العالية الدكتوراه التي تشد للحصول عليها الرحال لبلاد الله الواسعة.. ويسهر الطامحون لنيلها الليالي أصيبت بحمى الباحثين عن الشهرة والمجد فأرخصوا قيمتها لتتحول إلى بضاعة كاسدة تعرضها جامعات "الدكاكين" لتحصل على المقابل المادي المجزي، ويظفر هواة المناصب والشهرة بالألقاب التي عجزوا عن تحقيقها عن طريق الجامعات النظامية والتي تحرص على سمعتها العلمية وتضع المعايير الدقيقة للقبول فيها والحصول على الشهادة العالية. نتيجة ما يحدث ينعكس سلباً على المجتمع وجودة المخرج التعليمي والمبادئ والقيم العلمية السامية ليخسر الوطن في النهاية بوصول عناصر غير مؤهلة لقيادة العمل في قطاعات الدولة المختلفة تحمل الألقاب دون الأفكار التي تؤدي إلى التحسين والتطوير والتجديد والتحديث وبالتالي الإبداع والنهوض بمؤسساتنا لتحقيق طموحات المجتمع. الخطأ هنا لاينسب لهؤلاء مادام أنهم قد وجدوا كل الطرق أمامهم ممهدة للوصول إلى مبتغاهم..ودكاكين الشهادات تفتح أبوابها دون رقيب لتأخذ المال الوفير بيد وتعطي الورق "الشهادات المضروبة" باليد الأخرى ..وإعلام يبارك للحاصلين على تلك الشهادات إنجازاتهم الوهمية..ومؤسسات حكومية تستقبلهم بالأحضان وتمنحهم أعلى المناصب القيادية..وتسمح لهم باستخدام الألقاب. والآن وبعد أن فاحت رائحة هذه الشهادات فالمأمول من الجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تجنب المجتمع المزيد من الخسائر وتسهم في فتح المجال للراغبين من المواطنين مواصلة الدراسة والحصول على اعلى الشهادات عبر القنوات النظامية فمسؤولية وزارة التعليم العالي مثلا لا تتحدد فقط في سن الأنظمة والشروط بل تتعداها إلى مراقبة تلك الدكاكين وإيقاف نشاطها..والتوسع بافتتاح مسارات متعددة للدراسات العليا في الجامعات السعودية.. أو الابتعاث للجامعات غير السعودية. وتقع على وزارة الخدمة المدنية والجهات الحكومية مسؤولية مضاعفة في إيقاف هذا العبث ، وعدم استخدام تلك الألقاب داخل أروقة الدوائر الحكومية إلا لمن يحمل شهادة معتمدة من وزارة التعليم العالي..وعدم الأخذ بشهادات دون رصيد عند المفاضلة للتعيين في المناصب. آن الأوان لاتخاذ إجراءات صارمة تحمي المواطنين من الاستغلال.. وإشراع الأبواب للجادين فقط لنيل أعلى الدرجات..لتبقى الفرص متكافئة أمام الجميع. [email protected]