تتباين رؤية الموريتانيين للمرأة وأفضل الطرق للتعاطي معها، تماما كما تتباين ألوانهم ولغاتهم، بين عربي وإفريقي زنجي، ففي حين يتعامل العرب في موريتانيا مع المرأة بقدر كبير من "الاحترام" و"الشفقة"، ويرفضون حتى مجرد توجيه كلمة جارحة قد تخدش مشاعرها، يصر الزنوج على أن "المرأة والسوط صنوان" وأن الزواج عليها خير وسيلة لتأديبها بل والإحسان عليها. فالمرأة عند الشريحة العربية في موريتانيا، تتميز بأنها تعامل باحترام وتقدير أكثر من غيرها من نساء المجتمعات العربية الأخرى، حيث يعطيها المجتمع الحق في أن تأخذ لنفسها الطلاق إذا عنفها زوجها أو تحدث إليها بكلام جارح، أو تزوج عليها سراً أو عاملها معاملة "غير لائقة"، ولها الحق - اجتماعيا - في مغادرة بيتها والعودة الى بيت أهلها، إذا ما أغضبها زوجها، أو رفض تنفيذ طلباتها، وليس أمام الزوج المسكين إلا الذهاب إليها لاسترضائها وتطييب خاطرها، وإرسال الوفود لها لتقبل اعتذاره، على أن يتعهد لها بتلبية كل ما تريد، وغالباً ما تتخذ المرأة من نوبات غضبها فرصة لإملاء شروطها و طلباتها على الزوج، الذي يفرض عليه المجتمع تلبية كل ما تريده الزوجة "الغاضبة"، لأن غضب النساء أو الإساءة إليهن ليست من المروءة أو كريم الخلق الذي تفرضه العادات والتقاليد البدوية. ويقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد سيدي "إن الموريتانيين يختلفون في نظرتهم للعنف ضد المرأة، وتقبلهم لدرجات هذا العنف، فلدى الأغلبية العربية، وفقاً للتقاليد السائدة، يعتبر العنف اللفظي كالشتم والسب، أو العنف المعنوي كالزواج عليها أو منع النفقة عنها، أو حتى التقريع والتوبيخ، كافيا لتطليق الزوجة من زوجها"، ويرى العرب الموريتانيون أن الرجل إذا أهان المرأة فهو غير جدير بها ولا يستحقها، ولها الحق في تطليق نفسها منه، كما أن لولي أمرها الحق في ذلك، وقد عرف عن الفقهاء الموريتانيين والقضاة الشرعيين هناك، أنهم يرون في العنف اللفظي سبباً كافياً لتطليق المرأة بحجة أنه إهانة لها، ومعاملة تختلف عما يليق بنظيراتها في المجتمع، وللموريتانيين حكايات في هذا المجال لا تخلو من المبالغة، منها حكاية زوجة طلب منها زوجها الابتعاد قليلا عن الباب حتى لا تسد الرياح عنه في وقت الحر، فغضبت واعتبرت أنه يتحامل عليها، وقد أمر القاضي بتطليقها من زوجها، بحجة أنه أهانها، مما أدى بزوجها الى اللجوء الى بعض العلماء الذين أكدوا أن الأمر متعلق بنية الزوج، فإن كان أراد توبيخها أو التقليل من شأنها، فهي طالق، وإن كان خاطبها بنية سليمة غير قاصد الإساءة إليها، فليس لها حق الطلاق. ويدخل ضمن العنف المعنوي عندهم الزواج على المرأة، بل هو من "كبائر الإثم الاجتماعي" في تصورهم، وإذلال للمرأة وأهلها وقومها، وقد عرف في أوساط الموريتانيين عند كل عقد زواج ادراج لفظ".. شرط أن لا سابقة ولا لاحقة، وإلا فأمرها بيدها"، أي أن زواجها يتم بشرط أن لا تكون هناك زوجة سابقة لها على ذمته ولا أخرى لاحقة لها، وإلا فلها الحق أن تأخذ الطلاق إن أرادت ذلك، ومن هنا يبرر الباحثون الاجتماعيون تدني نسبة تعدد الزوجات لدى الأغلبية في موريتانيا، إلى أقل من 4في المائة. لكن هذا التضخيم للعنف اللفظي والإهانة المعنوية لدى الشريحة العربية، يقابله تعامل عكسي مع المرأة لدى الأقلية الزنجية، حيث يعتبر ضرب الزوجة وتوجيه مختلف الإهانات اللفظية والمعنوية لها أمراً عادياً، بل إن بعض هذه المجتمعات الافريقية ترى في ضرب الزوج لزوجته، علامة على حبه لها، وبقدر ضربه لها يكون مقياس حبه لها، حتى أن بعض الآباء يقوم بتقديم سوط كهدية لزوج ابنته ليلة زواجهما. وضرب الزوجات بالنسبة لهم أمر مفيد لضمان استقرار الأسرة وانصياع الزوجة لرغبات الزوج وأوامره، فالأسرة لا تقوم - حسب وجهة نظرهم - إلا على ركن واحد هو الأب، ويجب التعامل مع الأطفال والنساء بمنطق واحد، والنظر الى المرأة على أنها كالأطفال قاصرة يجب تأديبها. وكما تبيح التقاليد للرجل الافريقي الزنجي في موريتانيا ضرب زوجته بل تندبه إليه، فإن له الحق ايضاً في الزواج عليها متى شاء ذلك، وليس في ذلك ضير، بل إن إحجام الرجل الافريقي عن تعدد الزوجات، يشكل قناة يمكن الغمز منها في رجولته أو قدرته على حمل المسؤولية.