عندما سمعت خبر اعتزال سامي الجابر للكرة اختلطت في أعماقي كل الأحاسيس وتولدت في داخلي رغبة جامحة في السكوت الذي لا يتبعه الكلام. مر أمام عيني شريط لا ينتهي من ذكريات المعسكرات والمباريات التي قضيتها مع سامي منذ اجتمعت به أول مرة في معسكر بطولة مارس للناشئين في الكويت وحتى اليوم. تلك الذكريات جعلتني ابتسم ثم احزن ثم ابتسم واحزن. فقد كان سامي صديقي وأخي ورفيقي في الغرفة سواء في النادي أو المنتخب عرفته عن قرب وعرفت ان النجاح لا يأتي بسهولة. فسامي من اللاعبين القلائل الذين طبقوا الاحتراف بمعناه الحقيقي. فلم يكن مدخناً ولم يكن السهر جزءاً من برنامجه اليومي ولا الأسبوعي. كان حماسه في التمارين كحماسه في المباريات. ما حققه سامي في مشواره الرياضي من إنجازات أشبه بحلم أو هو حلم ولو لم أشاهده بعيني لما صدقته. المواقف التي حدثت لي مع سامي لا تعد ولكني ما أزال أتذكر تلك القصة التي حدثت لنا في معسكر الناشئين في الكويت فبعد فوزنا بالبطولة ذهبت أنا وسامي لأحد الأسواق الشعبية. اشترينا الكثير من الهدايا والأغراض وقبل ان نخرج من السوق توقفنا عند امرأة تبيع (الطواقي) وقبل ان نشتري منها قالت لي: (الله.. فنيلتك اشحلاتها يا وليدي) ثم أضافت: (تصدق.. نفس مقاس ولدي) قمت بدوت تفكير بخلعها وأعطيتها للمرأة ولبست واحدة جديدة. وعندما ركبنا التاكسي بدأ سامي يتحدث عن السحر والشعوذة وان تلك المرأة يمكن ان تكون ساحرة وأخذت الفنيلة لتسحرني. الغريب أني عندما رجعت للرياض وجدت نفس الفنيلة معلقة في غرفتي (تأكدت وقتها أني مسحور) ولكن وبعد عدة أيام اكتشفت ان الفنيلة التي أعطيتها للمرأة لم تكن فنيلتي بل واحدة تشبهها تخص لاعباً آخر ولكني استوليت عليها (بوضع اليد) معتقداً أنها تخصني رغم أني لم أخذ فنيلتي أصلاً معي للكويت وان سامي اخترع موضوع السحر والشعوذة فقط ليخيفني. أتذكر أيضاً عشرات البطولات التي ساهم سامي في تحقيقها ولكن ثلاث بطولات بقيت عالقة في ذاكرتي لا تكاد تفارقها. البطولة العربية في الرياض (1415) والتي حققنا كأسها أمام شقيقنا نادي الاتحاد وحقق سامي فيها لقب الهداف وأفضل لاعب. والبطولة الخليجية للأندية التي أقيمت في عمان (1418) وحققنا بطولتها وحصل سامي على لقب الهداف وأفضل لاعب. وبطولة كأس دوري خادم الحرمين الشريفين سنة 1418التي حصلنا على كأسها بفوزنا على شقيقنا نادي الشباب. في تلك المباراة أحرز سامي هدف التعادل في آخر ثواني الشوط الثاني فانقلبت المباراة لصالحنا وسجل عبدالله الجمعان هدف الفوز في الوقت الإضافي. ويومها رددت الجماهير (احدن معه سامي ويناظر الساعة). اليوم يهم سامي بالرحيل حاملاً معه أقصى ما يستطيع ان يحمله لاعب عند الوداع: بطولات وألقاباً وحباً جماهيرياً لا يسعه الفضاء. أعرف ان ممرات معسكر النادي التي امتلأت بصراخنا وحكاياتنا وضحكاتنا وأحياناً دموعنا قد اشتاقت لتلك الأيام واعرف ان غرفة المعسكر رقم تسعة ستنتظر طويلاً قبل ان يسكنها نجم بقامة سامي. لكن ما يخفف حرقة الفراق ان الذكريات ستبقى محفورة في داخلنا وستبقى أصداء الضحكات تتردد في زوايا المكان كأنها حدثت البارحة.. فشكراً سامي على كل ما قدمت لناديك ولوطنك وشكراً على اسعادنا لأكثر من ثمانية عشر عاماً.