يزداد انتشار"مرض كرون" في الآونة الأخيرة في مناطق كثيرة منها المملكة العربية السعودية. لذا نقدم هذا المقال كخطوة في طريق التوعية ولتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة به. "مرض كرون" عبارة عن التهاب مزمن يصيب جدار الأمعاء، حيث يمتد الالتهاب لكل طبقات الجدار ويؤدي لتورمه وحدوث تقرحات وخراريج صغيرة فيه. وسمي بذلك نسبة للطبيب الأمريكي بوريل كرون والذي وصف المرض لأول مرة عام 1932م. "مرض كرون" يصيب الجنسين ويظهر بكثرة فيمن تتراوح أعمارهم بين 15- 35سنة، وفي سكان المناطق الشمالية من العالم ولكن يمكن حدوثه في أي عمر. "مرض كرون" ليس مرضا مميتا، ولا معديا، وليس مرضا سرطانيا بل هو نوع من الالتهابات المزمنة. أسباب هذا المرض غير معروفة تحديدا. هناك نظريات متعلقة بدور لكل من الميكروبات والغذاء والتدخين والاضطرابات المناعية. ولا يوجد دليل قاطع على أن أي منها يتسبب بمفرده في حدوث المرض، وإن كان ولا شك لكل منها دور جزئي. ومن الأكيد ما أثبتته الدراسات من تأثير سلبي وضار للتدخين على المصابين بمرض كرون. ويصيب هذا المرض أي جزء من القناة الهضمية ولكن هناك مناطق تتأثر أكثر من غيرها كالمنطقة الواقعة آخر الأمعاء الرفيعة وبداية الأمعاء الغليظة، ويصيب المرض الأمعاء الغليظة في ثلث المرضى تقريبا. ويمكن ل"مرض كرون" أن يسبب التهابات بالمفاصل أو الجلد أو العين أو الفم. وتختلف أعراض مرض كرون وتتفاوت في شدتها من مريض لآخر حسب درجة نشاط ومكان المرض. ومن هذه الأعراض الشعور بالتعب مع فقدان في الوزن والشهية، ومنها ارتفاع درجة الحرارة وإسهال مزمن والذي قد يخالطه نزيف، وآلام في البطن. وفي بعض الحالات قد يشكو المريض من تقرحات سطحية ولكنها مؤلمة ببطانة الفم وآلام بالمفاصل وطفح جلدي وتأخر النمو عند صغار السن. وقد يتشابه "مرض كرون" في أعراضه التهاب القولون التقرحي والتهابات الزائدة الدودية والقولون العصبي وتدرن القولون. وتساعد الفحوص الطبية على التفريق بين هذه الأمراض ومرض كرون. ولتشخيص "مرض كرون" يقوم الطبيب باجراء الفحص الإكلينيكي والتحاليل المعملية ، والأشعات التشخيصية (أشعة بالباريوم أو المقطعية أو بالرنين المغناطيسي)، والمناظير. وفي غياب العلاج المناسب، قد تؤدي الإصابة المزمنة بمرض كرون إلى بعض المضاعفات مثل انسداد أو تضيق الأمعاء. وقد تمتد التقرحات المعوية إلى الأعضاء المجاورة للإصابة مثل المثانة أو المهبل أو الجلد مما يؤدي إلى تكون الناصور وخراريج، وربما يصاب المريض بالحصى الكلوية أو المرارية. ورغم أنه لا يوجد حاليا علاج يؤدي إلى الشفاء التام من مرض كرون، إلا أنه قد يختفي مدداً متفاوتة مع الإلتزام بالعلاج الذى يساعد علي تخفيف الالتهاب، وتعويض نقص التغذية، وخفض نسبة حدوث المضاعفات. فهناك العلاج الطبي، والنظام الغذائي، والعلاج الجراحي. ولا توجد مدة محددة للعلاج ويجب المتابعة المستمرة، وقد تزيد فترة العلاج أو تقل حسب نشاط المرض، ولكنه لا يتوقف. والعقاقير التي تستخدم لهذا الغرض هي: @ الساليسلات الأمينية مثل سالفاسالازين وميسالامين. @ الكورتيزونات مثل بريدنيسون وميثيل بريدنيسولون وبوديزونيد. @ أدوية تثبيط الجهاز المناعي مثل الأزاثيوبرين و6- ميركابتوبيورين. @ المضادات الحيوية مثل الفلاجيل والسيبروفلوكساسين. @ الأدوية الحيوية أو البيولوجية مثل ريميكيد وهيوميرا. هناك الكثير من الاهتمام بدور الغذاء في علاج مرض كرون. فعند زيادة حدة الالتهابات تحتاج الأمعاء للراحة، عندها ينصح بغذاء سائل قليل الألياف وغني بالفيتامينات والمعادن، وفي الحالات الشديدة قد يلجأ الأطباء إلى تغذية المريض عبر أنبوبة المعدة أو الوريد. وعند سكون المرض فيمكن تناول الغذاء بصورة طبيعية. هذا وينصح دائما باستشارة الطبيب أو أخصائي التغذية . معظم الحالات تستجيب للعلاج الطبي والحيوي. وقد يصبح التدخل الجراحي ضروريا في بعض الحالات لاستئصال جزء من الأمعاء نظرا لانسداده أو تعرضه لضيق شديد أو لإصابته بالتهاب شديد لم يستجب للعلاجات الدوائية. وهناك أنواع مختلفة من الجراحات حسب كل حالة. الجدير بالذكر ن الكثير من المرضى لا يحتاجون إلى الجراحة إطلاقا. مطلوب برامج متكاملة لزيادة التوعية بمرض كرون وانشاء قاعدة بيانات على مستوى المملكة لتسجيل كل الحالات ومتابعتها وكذلك تشجيع ودعم أنشطة البحث العلمي في هذا المجال، والنصيحة للمرضى بالالتزام بالعلاج والمتابعة في مركز متخصص. @ د. أحمد حلمي سالم عمل مدرسا واستشاريا لأمراض الجهاز الهضمي والكبد بكلية الطب والمستشفيات الجامعية بأسيوط، ج. م. ع. وباحثا وطبيبا بجامعات أمريكا وبريطانيا، ويعمل حاليا استشاري أمراض جهاز هضمي وكبد مساعد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، المملكة العربية السعودية.