القى صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس وفد المملكة في اجتماع وزراء الخارجية في منتدى المستقبل المنعقد حاليا في مدينة الرباط الكلمة التالية.. معالي الوزير كولن باول معالي الوزير محمد بن عيسى أصحاب السعادة السيدات والسادة.. أشكركم على اتاحة هذه الفرصة لتبادل الآراء والافكار بين الدول الصناعية المتقدمة ودول الشرق الاوسط وشمال افريقيا. في البداية فلاذكر بوضوح أنني أعتقد باستحالة وجود صراع حضارات بيننا لان هذا تعبير متناقض. الحضارات ليست سلعا متنافسة في السوق بل نتاج الجهد الجماعي للعبقرية البشرية بمساهمات متراكمة من ثقافات متعددة. نحن جميعا مدينون لابداع عظماء مثل بيكون ولوك وروسو وغوته. ومن منا ينكر تأثير فلاسفة اليونان على مدنيتنا أو دور المفكرين المسلمين كابن سينا والرازي وابن الهيثم وابن رشد في الحفاظ على مشاعل المعرفة البشرية خلال عصور الظلمات بالاضافة الى الاشعاع المعرفي من الهند والصين الحضارة اذن لا يمكن احتكارها من أي أمة أو مجموعة بمفردها. وليس هناك اختلاف فيما بيننا أيضا حول عالمية قيم الحرية والعدالة والمساواة أو أسس الديمقراطية الجفرسونية أو مبادئ حق تقرير المصير الويلسونية بل ان تراثنا العربي الاسلامي يتضمن معظمها وبالنظر لاختلافاتنا المتعددة فان هذا التوافق في الرؤى يعد استثنائيا. وان كانت الدول المتقدمة ستساعد على تحقيق التحول المنشود في الشرق الاوسط فان هذه المبادئ أقوى بكثير فيما تبعثه من أمل من أي أسلحة حربية بما تبثه من رعب وتخويف بالعودة الى هذه المبادئ يستطيع الغرب كسب عقول وأفئدة الشعوب العربية والاسلامية. ان التحديث عبر الاصلاحات التدريجية التراكمية من شأنه فعلا تحسين فرص الاستقرار والامن لدينا في حين أن استيراد حلول معدة سلفا من الخارج دون الاكتراث للظروف الخاصة بكل دولة قد يهدد نفس هذا الاستقرار والامن اللذين نرغب في حفظهما. أصحاب السعادة السيدات والسادة نحن في المملكة العربية السعودية نعتقد اعتقادا جازما أن هذا الجزء من العالم بأمس الحاجة للتحديث والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل نحن مدركون تماما بأن التغييرات الشكلية أو الاصلاحات الجزئية الطفيفة والمنفردة ليست كافية في هذا المجال. ان جهودنا الاصلاحية تشمل الانتخابات البلدية وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى ولقد أنشئ مركز الحوار الوطني لتشجيع التنوع والتسامح والمشاركة الواسعة للمرأة حيث خصصت دورته الاخيرة لبحث قضايا الشباب كما قامت مجموعة من المواطنين من الجنسين بتأسيس لجنة مستقلة لحقوق الانسان مؤخرا بحيث تخضع جميع الاجهزة الحكومية للمساءلة بشأن أي انتهاكات أو شكاوى بهذا الخصوص كما تم بالفعل انشاء هيئة مستقلة للتحقيق والادعاء العام. والى جانب الاصلاحات السياسية فاننا نتقدم في برنامج طموح للاصلاحات الاقتصادية وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية تعد محظوظة في هذا المجال الا أن العديد من دول المنطقة بأمس الحاجة الى جهد جماعي لمعالجة مشاكلها الاقتصادية اذ يمكن للدول الصناعية أن تظهر نفس الكرم الذي أظهرته الولاياتالمتحدة لاوروبا بعد الحرب العالمية الثانية عبر مشروع مارشال ويمكنها أن تلعب دورا مؤثرا في هذا المجال عبر توجيه استثمارات مباشرة وتحرير الممارسات التجارية وفتح أسواق جديدة وتشجيع نقل التقنية. ويستطيع الغرب أيضا تشجيع التفاعل الاجتماعي والزيارات المتبادلة بين شباب بلداننا فمع احترام الحاجات الامنية المشروعة فان القيود التي تعيق التنقل الحر للاشخاص بيننا يجب تخفيفها اذ أن تشجيع القيم المشتركة يتطلب تشجيع الاتصالات المباشرة. علينا كممثلين للمجتمع العالمي أن نكون واقعيين، أن أي تحديث واصلاح سيواجه قوى تشدنا في اتجاهات متضادة لكن قادتنا يدركون أن الادارة الناجعة للتوتر الدينامكي بين التغيير والمحافظة هو الطريق الحكيم والوحيد أمامنا. علينا أن نواجه الحقيقة بأن خلافاتنا ليست دينية ولا ثقافية ولا نعتقد أنها صراع بين الحضارات أو تنافس في أنظمة القيم فنقطة الخلاف الاساسية تتعلق بأطول صراع في التاريخ الحديث لفترة أطول من اللازم شهد العرب انحياز الغرب لاسرائيل وقد بتنا نتفهم الضمانات الغربية وبالاخص الامريكية لامن اسرائيل لكن ما لا يمكن للشعوب العربية أن تفهمه هو لماذا تتحول هذه الضمانات الى تأييد مطلق للسياسات الاسرائيلية المنفلتة من أي قيد والمنافية للشرعية الدولية. ان وحش التطرف والارهاب والكراهية ما يزال قابعا بيننا لاننا لم نكن صادقين في الوفاء بالتزاماتنا فلنرى ان كنا قادرين على توخي المصداقية بحيث نلزم أنفسنا بحل الصراع العربي الاسرائيلي حتى نخرج من اجتماعنا هذا مفعمين بالامل أننا سنتمكن أخيرا من تحقيق تطلعاتنا في بناء شراكة حقيقية للتقدم والمستقبل المشترك. واختتمت مساء امس بالعاصمة المغربية الرباط فعاليات منتدى المستقبل الاول من نوعه الذي يجمع بين دول منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا وبلدان مجموعة الثمانية. واعلن المشاركون في المنتدى الذي رأس وفد المملكة العربية السعودية فيه صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية تأكيدهم رسميا على الالتزام بمواصلة الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجارية في المنطقة خاصة ما ورد منها في اعلان القمة العربية بتونس واكدوا في البيان الختامي ضرورة ان ينبع الاصلاح من داخل دول المنطقة وان يراعى خصوصيات هذه الدول من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. وتقديرا للدور الذي يضطلع به المجتمع الاهلي في التنمية وفي مسلسل الاصلاح ركز المشاركون على اهمية مساهمات مكونات المجتمع الاهلي بما فيها المنظمات غير الحكومية وممثلو قطاع الاعمال كأرضية خصبة لمواطنة نشيطة ومسؤولة. كما دعوا الى تطوير التعاون والحوار بين هذه الفعاليات لتحقيق التنمية الاقليمية. واعترافا بمساهمة المرأة في عملية التنمية اتفق المشاركون على اهمية تكثيف تشجيعها للانخراط في السياسة وفي القطاعات الاجتماعية والتربوية والثقافية والانسانية والبيئية. ودعا المشاركون في المنتدى من جانب آخر الى تطوير مجتمع المعرفة والى تحسين قطاع التربية والتعليم وبذل المزيد من الجهود للقضاء على الامية عبر تشجيع الحوار بين المانحين والبلدان المستفيدة في المنطقة. وجدد المشاركون ايضا التزامهم بمواصلة تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية اللازمة خاصة في مجالات الاستثمار والمالية والتجارة وحماية حقوق الملكية ومحاربة الرشوة واتفقوا على اعطاء الاولوية لاندماج موفق لبلدان المنطقة في النظام الاقتصادي والمالي والتجاري المتعدد الاطراف وعبروا عن مساندتهم لاندماج المجموعات الاقليمية الموجودة خاصة من خلال انعاش مصالحها الاقتصادية المشتركة. وركز المشاركون على اهمية تحسين تدفق رؤوس الاموال لصالح التنمية الاجتماعية والاقتصادية ورحبوا بعدد من الاقتراحات التي تقدمت بها الدول المشاركة في مجال تطوير اقتصاديات المنطقة. ومن جهة اخرى اكد وزير المالية والخصخصة المغربي فتح الله ولعلو أمس ان المشاركين في منتدى المستقبل خلصوا الى أن الاصلاحات الاقتصادية بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا يجب أن تتم في اطار طوعي وتدريجي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لبلدان المنطقة. واضاف المسؤول المغربي في مؤتمر صحفي عقب اختتام المنتدى أمس بالرباط أن المنتدى شدد على ضرورة دعم الجهود المبذولة من طرف بلدان المنطقة للانخراط في آليات التعاون الدولي والاضطلاع بدور أساسي خصوصا في منظمة التجارة العالمية. وبخصوص شبكات التمويل اوضح المسؤول المغربي ان المشاركين دعوا الي اقامة نوع من الانسجام والتآزر بين تدخلات صناديق التمويل الدولية.. مشددين على ضرورة تقوية الآليات المرتبطة بمحاربة الفقر ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة. وكان وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية الثماني قد افتتحوا محادثات مع نظرائهم في الشرق الاوسط في العاصمة المغربية الرباط أمس السبت بالتأكيد على أن الدعوات من أجل الاصلاح ليست محاولات مقنعة لفرض القيم الغربية على العالم الاسلامي. وقال وزير الخارجية الامريكي كولن باول في كلمته في المؤتمر «نتفق جميعنا على أن التغيير الفاعل والمستمر يمكن أن ينبع فقط من الداخل.. والان ليس هو الوقت المناسب للنقاش بشأن وتيرة الاصلاح الديمقراطي أو ما إذا كان الاصلاح الاقتصادي يسبق الاصلاح السياسي». وحذر باول في كلمته من أن الاصلاح في المنطقة قد يستغرق وقتا طويلا. وقال باول «إن الحرية السياسية والاقتصادية تسير جنبا إلى جنب». ويستضيف باول المؤتمر مع وزير الخارجية المغربية محمد بن عيسي. وأكد وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر الذي يساند بشدة الخطوة الامريكية بإشراك مجموعة الثمانية في الشرق الاوسط أيضا على أن الغرب لا يسعى إلى فرض أوامره. وقال فيشر في كلمته في المؤتمر «إن المبادرات من أجل هذا يجب أن تنبع وتأتي من داخل المنطقة». وبدأت أمس السبت وقائع الجلسة الافتتاحية لمنتدى المستقبل في العاصمة المغربية الرباط بحضور ممثلين لدول عديدة من بينها الولاياتالمتحدة التي يمثلها وزير الخارجية المستقيل كولن باول. ويشارك في المؤتمر الذي يستمر يوما واحدا وزراء المالية والخارجية في أكثر من عشرين دولة عربية الى جانب مجموعة الدول الصناعية الثماني (الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليابان وكندا وروسيا) ومندوبون عن منظمات دولية. وألقى وزير الخارجية المغربي الكلمة الافتتاحية نيابة عن ملك المغرب قبل أن يعطي الكلمة لباول الذي أعلنت واشنطن أنه يحضر آخر مهماته الرسمية. وتشارك الولاياتالمتحدة في رئاسة الاجتماع إلى جانب المغرب. وقال باول في كلمته «نحيي الجهود التي يبذلها بعض الاصلاحيين ... في الشرق الاوسط وفي دول العالم من أجل تسوية الازمات وتحسين الاوضاع في جميع الدول التي تحتاج لذلك.» من جانبه، أعلن الامين العام لجامة الدول العربية عمرو موسى أمس السبت خلال افتتاح اعمال المنتدى انه يؤيد قيام شراكة بين الشرق الاوسط وبلدان مجموعة الثماني شرط ان يكون ذلك على قدم المساواة. وقال عمرو موسى خلال افتتاح المنتدى الذي يعقد بناء على مبادرة اميركية تهدف الى تحول ديموقراطي في العالم العربي الاسلامي، «نعم، نحن شركاء لكن يجب ان نكون على قدم المساواة وباهداف واضحة». وتساءل موسى «كيف تنجح هذه الشراكة في حين يتهم احد اطرافها بالإرهاب»، مضيفا «ان التطرف والمتطرفين موجودون في كافة بلدان العالم». ودعا موسى المشاركين في المنتدى الى «سحب الاتهامات الموجهة للاسلام كديانة وثقافة». وقال موسى «حان الوقت لنكون صادقين»، متسائلا هل يمكن لهذه الشراكة ان تنجح «من دون سلام عادل في الشرق الاوسط ومن دون تتحرير العراق من الفوضى والدمار؟». وقد صدرت تحفظات كبيرة ازاء هذه المبادرة الاميركية في عدة دول عربية سواء كان ذلك على المستويات الرسمية او في اوساط الراي العام العربي. واعلنت ايران امس الأول الجمعة عدم مشاركتها في المنتدى بدون تقديم توضيحات. وقد قلص منظمو المنتدى من القضايا السياسية تدريجيا للتطرق بصورة اكبر الى القضايا الاقتصادية والمالية. وفي ذات السياق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه أمس السبت لدى افتتاح اعمال «منتدى المستقبل» في الرباط ان فرنسا تبدي «تحفظا» ازاء فكرة تحويل هذا المنتدى الى مؤسسة دائمة وذلك خلال هذا اللقاء الاول الذي ينعقد بمبادرة اميركية ويهدف الى احلال الديموقراطية في العالم العربي والاسلامي. وقال بارنييه لدى افتتاح المنتدى «ان فرنسا متحفظة على فكرة انشاء مكتب دائم وتحويل مبادراتنا الى مؤسسات بالمقارنة مع كل ما هو موجود اصلا». وذكر الوزير الفرنسي الآليات الموجودة ولا سيما البرنامج الاوروبي المتوسطي المعروف بعملية برشلونة في 1995 وكذلك «العلاقات القديمة التي يقيمها الاتحاد الاوروبي في المنطقة». واعتبر من جهة اخرى انه يتعين تفضيل «الحوار على فرض نموذج» وطالب بالسهر على «الاحترام المتبادل» و«احترام الهويات». وتحدث ايضا عن «ضرورة تسوية النزاع المركزي بين الاسرائيليين والفلسطينيين» من اجل المضي قدما على طريق السلام في هذه المنطقة من العالم. ويجتمع وزراء خارجية ومالية حوالي عشرين بلدا من الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع زملائهم في مجموعة الثماني وعلى راسهم وزير الخارجية الاميركي كولن باول في هذه المناقشات التي تجري في الرباط. ويهدف «منتدى المستقبل» الى الدفع بالاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية والاسلامية في اطار المشروع الاميركي المثير للجدل الذي اطلق عليه اسم «الشرق الاوسط الكبير».