على مدى أربعة أيام أحيا الفنان مارسيل خليفة حفلات غنائية في قصر الأونيسكو، بمشاركة الفنانة أميمة خليل التي صنع نجوميتها قبل أكثر من عقدين ليشكلا معاً ثنائياً منسجماً، أربع ليال كانت كافية لحشد الجمهور اللبناني من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، على الرغم من الارتفاع النسبي في أسعار البطاقات، والتدني الكبير في درجات الحرارة التي لم يشهد مثلها لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، حيث شهد قصر الأونيسكو تظاهرة فنية موسيقية، وجمهوراً يغلب عليه الطابع الشاب، فجمهور مارسيل لا يختلف عن جمهور زياد الرحباني، الذي ملأ الصالة نفسها قبل حوالي الشهر، وحفلات الفنانين تتقاطع في أغان وموسيقى تحمل نفسا ثوريا شبابيا، طامحا إلى التغيير، في ظل موجة من الركود الفكري الذي لا يشجع سوى على بلادة الذهن عازفا موسيقاه الجديدة منها والقديمة، خطف مارسيل الأضواء، فميزة مؤلفاته انها لا تموت، حتى تلك التي ولدت في خضم الحرب اللبنانية بقيت حاضرة، رغم اندثار كل ما أنتج في تلك الفترة لارتباطه الوثيق بحقبة يحاول اللبنانيون محوها من الذاكرة. مارسيل هو الوحيد القادر على قلب تلك المعادلة، فثورة مارسيل ليست ثورة مرحلية، وموسيقاه تضرب على وتر المعاناة، لتزول حين تزول تلك المعاناة. فهو ما يزال وفياً لقديمه، موسيقى، شعر وغناء.. وكما في كل حفلاته الكبرى، تكون الفنانة أميمة خليل حاضرة، لتغني ألحانه بصوتها الشجي الذي لا يبدع الا حين يغني ألحان خليفة، فقد كانت لأميمة محاولة منفصلة قبل أربع سنوات، قدمت فيها أغاني جديدة وظهرت بمظهر فنانات العصر، غير أن الجمهور لم يتقبلها، هو الذي اعتادها بذلك المظهر الملتزم، وتلك الأغاني التي تحمل نفس مارسيل، أميمة حاولت في تلك الفترة الخروج من القالب والذي وضعتها فيه الذاكرة اللبنانية عنوة، بوصفها احدى «فنانات الحرب» وفنانو الحرب وفقا للعرف اللبناني، هم أولئك النجوم الذين ولدت أغانيهم في خضم تلك الفترة، فكانت انعكاسا للحرب اذ أسيء استخدام الأغنية الوطنية، لتصبح مرادفا لأصوات المدافع، أميمة التي سئمت ذلك الدور ظهرت بدور آخر لم يلق بها، لتعود وتعلن عودة طوعية الى خطها الملتزم الذي يحمل توقيع مارسيل خليفة، ليخرجا من ذلك الاطار الضيق ويبرهنا انهما فنانا سلام.