في قرية صغيرة في شمال كينيا يعيش القرويون بعيداً عن كل الاضطرابات والمشاكل. يقوم حول قريتهم سور كبير من الأغصان الشائكة التي تبعد الحيوانات المتوحشة عن السكان والدواجن. وترى أكواخهم المصنوعة من القش والطين وروث البقر قريبة من بعضها البعض وتكاد تكون متلاصقة. هذه القرية يسميها أهلها «أوموجا» وهي كلمة باللغة السواحلية تعني (الاتحاد). والغريب فيها هو أن سكانها كلهم من النساء فلا مكان لأي رجل هنا أياً كان ومهما كانت الظروف. تبدأ قصة تأسيس هذه القرية قبل عقد من الزمان حين شكلت مجموعة من النساء فريقاً متحداً لمواجهة عنف الذكور وتعنتهم. وتقول احدى السيدات وتدعى ريبيكا لولوسولي «عشنا مع رجالنا في جحيم لا يطاق، يهمهم فقط أن يجمعوا أكبر عدد من النساء دون أن يفكروا في الاهتمام بهن. أولئك الرجال لا يعتبروننا جزءا من المجتمع ويرون أننا خلقنا فقط لكي ننجب الأطفال. ومن هذا المنطلق تشكلت فكرة بناء القرية البعيدة عن كل أشكال الحضارة والمدنية التي يسيطر عليها الرجل. وراقت فكرة العيش في حرية تامة بعيداً عن سلطة الرجل المستبد لكثير من القرويات الكينيات. ووصلن جميعاً الى هذا المكان وكانت فرحتهن أكبر حين انسجم الجميع مع الحياة الجديدة بسرعة. وأغلب أولئك النساء لم يطقن العيش في خزي مستمر وسط مجتمعهن الأصلي، لأنهن ضحايا اغتصاب واعتداءات قام بها الجنود البريطانيون الذين يستخدمون الأراضي الكينية كمواقع تدريب منذ عقود طويلة. وتجري الحكومة البريطانية تحقيقات جادة من أجل التأكد من صحة الاتهامات التي بدأت تتزايد وتتهم الجنود البريطانيين بأنهم خلف قضايا الاغتصاب التي تستهدف الفتيات الكينيات بشكل مستمر. وتزايدت مشاكل وزارة الدفاع البريطانية حين تقدم أحد المحامين في لندن بشكوى رسمية رفعها للمحكمة العليا تطالب بمعاقبة المسؤولين عن اغتصاب الكينيات. وتلك القضايا هي التي جعلت النساء يعشن في عزلة تامة بعيداً عن الرجال الذين يرمقونهن بنظرة احتقار بدلاً من أن يمدوا لهن يد العون ويخلصوهن من محنتهن. يقول جوزيف كوكوليت وهو زوج احدى النساء اللاتي هربن لقرية «أوموجا» جاءتني زوجتي في أحد الأيام وملابسها ممزقة، وكانت قد اعتادت على جلب الماء من بئر تقع في أطراف قريتنا. قالت لي إن شاباً أبيض في لباس عسكري نجح في اغتصابها قرب البئر وتحت تهديد السلاح.. ولأنني لا أستطيع أن أتعايش مع عار كهذا قررت أن أقتلها ولكنها هربت». ويقول جوزيف إنه استل سكينه الحادة فور تلقيه النبأ ولكن أصدقاءه أوقفوه لتهدئته وأعطوها وقتاً كافياً كي تنفذ بجلدها. ووصلت الفتاة إلى قرية «أوموجا» التي سمعت عنها كثيراً وهناك وجدت نساء يعانين من نفس مشكلتها وهي تعيش معهن في أمان تام منذ يوم هروبها. وبدلا من إرسال الأطفال للحقول أو لرعي المواشي كما يفعل الرجال، تقوم النساء في «أوموجا» بإرسال أولادهن للمدارس رغم الكلفة العالية للتعليم، ولكن هناك قناعة تامة أن التعليم يصنع مستقبلا أفضل لهن ولأبنائهن. وتقول لولوسولي «الجميع هنا يعيش بسعادة غامرة، أصبحنا بصحة أفضل ونستمتع بحياتنا أكثر من أي وقت مضى، كما أننا الآن نلبس أجمل الملابس التي كان رجالنا يحرموننا من ارتدائها، وكنا فقيرات واليوم أصبحنا نوفر الطعام للفقراء فالأحوال تغيرت كثيراً لأننا يد واحدة ولا كراهية بيننا». وهذا الوضع لا يسعد الرجال بأي حال من الأحوال فهم مازالوا يرون أن أولئك النسوة خرجن عن نطاق سيطرتهم. وتوقعوا أنهن سيعشن في تشرد بعد أن تركن منازلهن ورجالهن، ولكن الحال لا يبدو كذلك أبداً. وحين سئل أحد أولئك الرجال عن رأيه في الحياة التي تعيشها زوجته الهاربة انفجر غضباً وكاد أن يشتبك مع الصحفي الذي طرح عليه السؤال. وبعض الرجال يأتون للقرية من أجل تأديب زوجاتهم أو لإجبارهن على العودة للمنزل ولكن دائماً يحصلون على إجابة واحدة لا تتغير.. الرفض التام. وتقول لولوسولي التي اصبحت المسؤولة عن قرية أوموجا ومن فيها «يرى الرجال أن النساء أصبحن يكسين الكثير من المال ويرتدين الملابس الجديدة فيصابون بالغيظ ويخرجون للقرية لكي يعيدوا زوجاتهم. وعليكم أن تروا وجه الرجل الذي تقول له زوجته انها لم تعد تحتاج له منذ اليوم وبالتالي عليه أن ينساها للأبد». (نيويورك تايمز خاص ب «الرياض»)