"في محبة خالد الفيصل" لم يكن معرضاً فنيّاً فحسب، بل كان تجلياً لأدب الوفاء، وبوحاً جميلاً من وطنٍ لقائد عشق الأرض والناس، ونسج من عاطفته وطموحه وهويته لوحةً وطنيةً خالدة.. هو احتفال بالهوية، بالإبداع، وبالإنسان الذي لم تنسه المناصب أن يكون شاعراً، ولم تنسه القصيدة أن يكون مسؤولاً.. في قلب مدينة جدة، وعلى ضفاف الحنين، ارتفع نداء المحبة عالياً، يشقّ صمت البحر ويوقظ في الذاكرة أسماء العظماء، فكان معرض "في محبة خالد الفيصل" مهرجاناً غير اعتيادي، لا تشي به أروقة الفن وحدها، بل تحتفل به أرواح العاشقين للكلمة، المحتمين بظلال القصيدة، الممتنين لرجل جمع بين الإمارة والشعر، بين الحكمة والسيف، بين الجمال والفكر. الأسبوع الماضي وتحته إشرافه ومتابعته، دشّن الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكةالمكرمة، معرض "في محبة خالد الفيصل" ضمن فعاليات موسم جدة 2025، بحضور الأمير تركي بن فيصل بن عبدالعزيز، وعدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء إخوان وأبناء وأحفاد صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة، وبتنظيم وهندسة لكل تفاصيل المعرض البديع من الأمير الأنيق الدكتور فيصل بن محمد بن سعد. المعرض انطلق تزامنًا مع أمسية "ليلة دايم السيف" الغنائية البديعة، التي احتضنها مسرح عبادي الجوهر، بمشاركة فنان العرب محمد عبده وعدد من الفنانين العرب، الذين تغنوا بقصائد الأمير خالد الفيصل، في مشهد فني يُجسّد الحب والتقدير الكبير الذي تحمله الأوساط الثقافية والفنية لشخصه وإبداعه -حفظه الله-، ما أسهم في تقديم المعرض بصورة تليق بمكانة الأمير خالد الفيصل في وجدان أبناء الوطن. وبزيارة تشرفت بها، دخلتُ المعرض لا كزائر، بل كمن يدخل طقساً من طقوس الوجد، تحفه هالات من ضوء، وملامح من وفاء. لم يكن المكان مجرد جدران تحمل لوحات أو صوراً مؤطرة، بل بدا كأنه مرآة عملاقة عاكسة لروح رجلٍ نبيلٍ خالد لقبه (دايم السيف)، كل ركن فيه يروي قصة، وكل زاوية تختزن صدى بيتٍ شعري، أو موقفٍ ملهم، أو لحظة وعيٍ تشبه لحظات إشراق النور في ظلم الحياة. خالد الفيصل، هذا الاسم الذي يترنم به السعوديون كما يترنمون بأسماء النجوم والواحات، لم يكن أميراً على منطقته فحسب، بل أميراً في قلوب محبيه، وسيداً في بلاط الحرف، وصوتاً متفرداً في زمنٍ كثُر فيه الصدى وقلّ فيه الأصل الذي لن يتكرر! جاءت فكرة المعرض لا لتستعرض سيرته المجيدة فحسب، بل لتخلق لحظة احتفاء وطنية وأدبية لا تتكرر، لحظة تجتمع فيها عيون الأجيال على صفحة واحدة من تاريخ رجل استثنائي. كان المشهد أقرب إلى سيمفونية بصرية - شعرية. اللوحات التي علّقت في المعرض لم تكن تجسيداً شكلياً، بل انطلقت من عمق رؤيته الشعرية والفكرية، فبدت القصائد تتنفس على الجدران، وكأنها خرجت من دواوينها لتصافح الزوار، فكأن الشعر لم يُقرأ، بل عُرض، وكأن الذائقة البصرية تآخت مع الإحساس السمعي لتمنح الزائرين تجربة شعورية نادرة. توزعت بين الأركان مقتنيات الأمير، وذكرياته المصورة، ومخطوطات بخط يده، ولوحاته الفنية بريشته العظيمة، في تناغم دقيق بين الزمن الشخصي والوطني. كل تفصيلة في المعرض بدت وكأنها منثورة عمداً على شكل عبارات حبّ للإنسان الذي جعل من منصبه منبراً، ومن قلمه منارة. وكان الأنبل، والأكثر مسّاً للروح، كانت تلك الشهادات الحية من فنانين، وشعراء، ومثقفين، تحدثوا عنه لا بصيغة الماضي، بل بصيغة الامتداد، لأن خالد الفيصل ببساطة، ليس حكاية تُروى، بل حضور يُعاش. وفي لحظة من لحظات التأمل، كانت هناك مرآة زجاجية نقشت عليها أبياته: "أنا من هالدّيار ومن هالثّرى .. وفي عروق النخل دمي سرى" شعرت أن الأرض تحت قدمي تهمس، وأن نخيل نجد يطرب، وأن الحروف ارتدت عباءتها الفخمة لتكون على قدر المناسبة! "في محبة خالد الفيصل" لم يكن معرضاً فنيّاً فحسب، بل كان تجلياً لأدب الوفاء، وبوحاً جميلاً من وطنٍ لقائد عشق الأرض والناس، ونسج من عاطفته وطموحه وهويته لوحةً وطنيةً خالدة.. هو احتفال بالهوية، بالإبداع، وبالإنسان الذي لم تنسه المناصب أن يكون شاعراً، ولم تنسه القصيدة أن يكون مسؤولاً. غادرت المعرض وأنا على يقين أن الحبّ لا يُصنع، بل يُزرع، وخالد الفيصل زرع في وجداننا شجرة من نور، لا تكفّ عن الإزهار وأكثر..