في لجّة من تعريفات «فلسفة الدين»، قد تزداد الاضطرابات، وتتأخر أو تعلق أو تتعطّل المنافع، وما يتبعها من مواقف القبول أو التمحيص أو الردّ. فضلاً عن أن هذا المركب اللفظي عند تعريف كل لفظ منه يفضي لسلسلة من الاضطرابات أيضاً. فثمة تعريفات تنظر للتاريخ وتتحرك بتحولاته، وثمة تعريفات تنظر للموضوعات فتثبت التعاريف بحسب تمييز ما اختارته... وغيرها من مشكلات لا تخفى. ومراعاة الاستعمال اللفظي لفئة قارئة؛ هو محل الاهتمام هنا. تستعمل دلالة «فلسفة الدين» عدّة استعمالات، نظراً لنشأة المركب التاريخية (وفق لفظين لهما أيضاً ملامحهما التاريخية «فلسفة»، و»دين»، فالفلسفة بقيت دلالتها مشكلة منذ قرون، وأمّا الدين فلفظ محدث في دلالته الغربية Religion، وانتقاله من مجرد طقوس محددة إلى دلالة على الدين بشموليته، مع إشكالية أيضاً في تحديد المراد بالدين)، وقد يخف إشكال الاستعمال المركّب ظاهرياً، غير أنَّ في عمقه إشكال أكبر، كما أنّ له امتيازَ استعماله حديثاً في مجالات علمية أو معرفية، وهذه المجالات تضيّق استعماله، وتبعده عن الشعب الأدبية؛ التي قد تنقله من دلالة إلى دلالة بحسب تأملات المتأمل. ويمكن إيجاز استعمالات «فلسفة الدين» بحسب التوجه أو المجال المعرفي: «فلسفة الدين» مقاربة تخصصية، تعنى بنقد وتحليل مفاهيم الدين ومبادئه، بحسب المنطلق التخصصي، فهناك فلسفة الدين اجتماعياً، وهناك فلسفة الدين نفسياً، وهناك فلسفة الدين لغوياً... والاستعمال الآخر: فلسفة الدين «الثيولوجيا»، التي تبحث في دين من الأديان بعينه، من داخله. ومن حيث نشأة «فلسفة الدين»، فهي خليط من التوجهين، فقد كانت ضمن مباحث الميتافيزيقيا، وكذلك من جهة هي محل توجه ديني داخلي للبحث عن أسس علمية للدين المسيحي في مواجهة تحديات نقده ونقضه، حتى شاعت موجة الإلحاد. ومن ضمن المهتمين بفلسفة الدين غربياً، كانط الذي سعى لجعل الدين علماً معيارياً، ومن المذاهب الفلسفية، أما شلايرماخر فقد بحث في الدين بعدّه من عوامل التاريخ، وحقيقة نفسيّة تجلي شعور الإنسان بالعجز المطلق، في حين ربط هيجل الدين بالفلسفة من حيث أن الدين هو وجه من وجوه الفلسفة في دورها التاريخي الذي تكون فيه غامضة ومشوّشة. وكذا بحسب استعمال كل فيلسوف للصلة بين «الدين» و»الفلسفة». فالأصل الغربي تفرقة بين «الدين» و»الفلسفة»، مع إشكالية المفهومين مفرقين، فضلاً عن تركيبهما معاً في دلالة تختلف بحسب المقاربات الدارسة للدين. ومعرفة هذا الإشكال نافعة للتنبه لكل مترجم أو منقول عن الفكر الغربي ومن تأثر به، للحديث عن «فلسفة الدين». وثمّة استعمال عربي إسلامي، ذُكر لا اقتباساً من الاستعمالين الغربيين العامين السابق ذكرهما، وإنما استعمال اصطحب دلالة أخرى ل «الفلسفة» بعدها المعاني الكليّة، وهي أقرب لرؤية الفلسفة التقليدية وفق الكليات. فوسم بعضهم كليات الشريعة، بعدها الجامعة للمعاني الكلية للشريعة وهي «المقاصد» بوسم «فلسفة الدين» من باب المرادفة. استصحاباً للبعد المعنويّ الكليّ، وكذا الجهد العقلي الإنساني لاستخلاص هذه المعاني وترتيبها. ومحلّ الإشكال عربياً وإسلامياً حينما توسم رؤية ليست فلسفية ولا ثيولوجية، وليست مقاربة علميّة لدراسة الدين؛ بأنها «فلسفة الدين الإسلامي»، وهذه تشعبت لدى المهتمين أو المفكرين في العالم الإسلاميّ، وأنتجت عدّة كتابات لم تحدد ما المراد ب «فلسفة الدين» بالضبط، وإنما بحسب فهم كل كاتب. وخلاصة المقال: تستعمل دلالة «فلسفة الدين» عدة استعمالات، وبحسب الحقل المعرفي، وبحسب لفظيه «فلسفة» و»دين»، وبحسب السياق التاريخي؛ يمكن تمييز دلالة كل مستعمل لها، حتى تتلاشى بعض التعقيدات عند الباحثين عن «ما هي فلسفة الدين»؟ ومن ثم إبراز رؤية كل مفكّر في عالمنا الإسلامي، ومراده من «فلسفة الدين»، قبل الشروع في تعريف «فلسفة الدين» إسلامياً أو عربياً.